أنواع التفاوض وأساليبه | المكتبة الدبلوماسية

أنواع التفاوض وأساليبه

يتصل التفاوض اتصالاً وثيقاً بالحياة، فما دامت هناك حياة فلا بد أن يكون هناك تفاوض من أجل تفادي تضارب المصالح، ووضع حدود لأطماع النفس البشرية، وترسيم قواعد وأسس تقوم عليها العلاقات بين الناس، بحيث يتعايش الجميع في سلام بقدر ما يستطيعون. وقد أثبتت التجارب الإنسانية، بما لا يدع مجالاً للشك، أن الصراع المستمر لا يحقق طموحات أي طرف مهما كانت قوته، لأن دوام الحال من المحال، وأن موازين القوى في حالة تقلب مستمر، ولذا فإن التعاون هو أفضل الصيغ من أجل حياة مستقرة، ويمثل أفضل وسيلة لتحقيق التقارب بين مختلف الأطراف على أسس متينة.
وتختلف أنواع العلاقات بين البشر، فهناك علاقات تتم على مستوى الدول، حيث تتضارب المصالح، وتزداد الطموحات، وتتشابك العلاقات، التي تتطلب إطاراً مرسوماً وتقاليد عريقة لفض الاشتباكات والمنازعات، ولا يتم ذلك إلا بالتفاوض بين الدول لوضع أسس العلاقات، وطرائق تبادل المنافع، وأساليب تخفيف التوتر، وتتخطى هذه العلاقات ميدان السياسة إلى الميادين الاقتصادية، والقانونيـة، والاجتماعية، والتربوية، والثقافية.

وفي ظل تقدم وسائل الاتصال أصبحت هناك علاقات واسعة بين الشركات والمؤسسات من مختلف دول العالم، حيث تتنوع مناطق الإنتاج والتسويق، وتتداخل العلاقات، التي قد يكون أحد أطرافها دولة من الدول.

وتضيق أنواع العلاقات بين بني البشر، لتشمل ما بين أفراد الأسرة الواحدة من مصالح ومنافع، وأطر للعلاقات، وتتسع لتشمل ما بين أفراد الحي الواسع، ثم المدينة والدولة إلى جانب حلقات أخرى متشابكة. وكل نوع من هذه العلاقات يقتضي أشكالاً من التفاوض. ويكفي أن نعرف أن الدراسات في ميدان التفاوض أوضحت أن المديرين يقضون 20% من وقتهم في نشاطات تفاوضية.

وتبعاً لذلك، تتنوع أنواع التفاوض تنوعاً كبيراً . ويمكن ذكر بعض أهم هذه الأنواع وإيجازها في الآتي:

1. اتفاق يحقق مصالح الطرفين :

في مثل هذا النوع من التفاوض، ينتهج الطرفان أسلوب المصلحة المشتركة، أو ما يعرف بمباراة "اكسب ودع غيرك يكسب" win-win، حيث يعمل الطرفان جاهدين من أجل الوصول إلى صيغة اتفاق، تتحقق من خلالها مصالحهما، من دون أن يكون القصد الإضرار بالطرف الآخر. وهذا الاتفاق يكون من منظور مستقبلي، ويزيد عمق التعاون والعلاقات القائمة بينهما.

2. التفاوض من أجل الكسب على حساب الطرف الآخر: 

ويمكن أن نطلق على مثل هذا النوع من التفاوض عبارة "اكسب ودع غيرك يخسر" win-Lose، وهو غالباً ما يحدث في حالة اختلال توازن القوى بين الطرفين، وفشل أحدهما في اختيار الوقت المناسب للتفاوض، أو لتعرضه لضغوط من الطرف الآخر. ولا يتم الاتفاق الناجم عن هذا التفاوض بالديمومة، وإنما يكون عرضة للتغير في حالة تقلب موازين القوى. ويحاول كل طرف إنهاك الطرف الآخر، واستنزاف وقته وجهده وتشويهه، ومحاولة إحكام السيطرة عليه.

3. التفاوض الاستكشافي: 

وهذا النوع من التفاوض يتلمس فيه كل طرف ما لدى الطرف الآخر من نوايا، وقد يتم عن طريق وسيط أو عن طريق الأطراف المعنية مباشرة.

4. التفاوض التسكيني: 

يهدف هذا النوع من التفاوض إلى خفض مستويات الصراع، في حالة وجود عقبات تحول دون الوصول إلى حلول. وهو يعتمد على عامل الزمن، الذي قد يكون له الحسم في بعض الحالات.

5. تفاوض التأثير في طرف ثالث: 

ويقصد هذا النوع من التفاوض إلى التأثير في طرف آخر بخصوص موضوع الصراع من غير أن يكون الاتصال به مباشراً.

6. تفاوض الوسيط :

وهذا النوع يشيع اليوم في ميادين الاقتصاد والسياسة، إذ يلجأ الطرفان المتصارعان إلى طرف ثالث؛ ليكون حكماً بينهما، وعلى الرغم من أن هذا النوع من التفاوض له فوائده وينفع في سياقات ومناخات محددة، فإن أحد محاذيره احتمال ميل الوسيط إلى أحد أطراف النزاع، مما يضعف النتائج المترتبة على مثل هذا التفاوض.

وبناءً على أهداف التفاوض، هناك تقسيم وضعه فريد إيكل IKLE، في كتاب له صدر عن جامعة جورج تاون، وهو كالآتي:

أ. التفاوض من أجل مد اتفاقيات أو عقود قائمة Extension :

ويكون هذا النوع من التفاوض بهدف إطالة إحدى اتفاقيات أو معاهدات قائمة بين عدد من الأطراف، وقد تتعلق بالإعفاءات أو التسهيلات العسكرية. ويكون التحرك من أجل تحديد فترة الاتفاق أو تجديده؛ لتفادي ما يترتب على انقطاعه من آثار سلبية.

ب. التفاوض من أجل تطبيع العلاقات Normalization :

ويقصد منه إعادة العلاقات الدبلوماسية، أو إنهاء احتلال مؤقت، ويضرب إيكل مثلا على ذلك بالعلاقة بين مصر وإسرائيل والأمم المتحدة في عام 1949م.

ج. التفاوض لتغيير وضع ما لصالح أحد الأطراف. Redistribution:

والهدف هنا تشكيل وتغيير الأوضاع لصالح طرف، على حساب طرف آخر. وطابع هذا التفاوض عادة الإجبار والتهديد والقهر. ويقدم إيكل مثالا علـى ذلك إجبار هتلر الرئيس التشيكي في مارس 1939م على تسليم بقية بلاده للألمان.

د. المفاوضات الابتكارية Innovation :

والمقصود به إيجاد علاقة جديدة والتفاوض لإنشاء مؤسسة جديدة. ويدخل في هذا النوع مفاوضات مثل تأسيس وكالة الطاقة النووية، ومفاوضات تأسيس الاتحاد الأوروبي وغير ذلك.

هـ. مفاوضات التأثيرات الجانبية Side Effects:

والمقصود بها التأثيرات المهمة للتفاوض، والتي لا يكون الهدف منها التوصل إلى اتفاق أو توقيع اتفاقية، وإنما المقصود هو الأهداف الدافعة للتفاوض، كالحفاظ على الاتصال ووقف أعمال عنف قائمة أو محتملة، واستطلاع مواقف الخصم أو محاولة خداعه وتضليله.

وطبقا لأنواع التفاوض، فإن هناك عددا من الأساليب:

ـ التفاوض الدبلوماسي.

ـ التفاوض الاقتصادي.

ـ التفاوض التجاري.

ـ التفاوض في العلاقات الصناعية والإدارية (العلاقات العامة).

ـ التفاوض في الإدارة العامة.

ـ التفاوض بين الحاكمين والمحكومين (الإعلام والاستعلام).

ويحتاج كل أسلوب من هذه الأساليب إلى وقفة قصيرة؛ من أجل مزيد من فهم طبيعته، وما يتطلبه من مهارات.





أحدث أقدم