التفاوض الاقتصادي | المكتبة الدبلوماسية

التفاوض الاقتصادي

شاءت سنن الله، سبحانه وتعالى، في الحياة أن تكون قضية تبادل المنافع الاقتصادية بين الدول من أهم الجوانب في العلاقات الدولية، وهذا أمر واقع منذ أقدم العصور. وقد كان تضارب المصالح الاقتصادية من أسباب الحروب في كثير من الأحيان، ويزداد التشابك بين المصالح مع التقدم، الذي يشهده العالم، فالدول المتقدمة في حاجة إلى تسويق منتجاتها، وقبل ذلك، هي في حاجة إلى مواد خام لتصنيع هذه المنتجات، بينما الدول النامية في حاجة إلى كثير من المنتجات المصنعة في العالم المتقدم، كما أنها في حاجة إلى تقانة حديثة تعينها على استثمار ما لديها من مواد خام. وقد دخلت الشركات المتعددة الجنسيات طرفاً في العلاقات الاقتصادية، بما لديها من إمكانات، تفوق أحياناً ما لدى كثير من الدول.
وهذا الواقع جعل المفاوضات المتعلقة بالشأن الاقتصادي تجري أحياناً على مستوى الدول، ومن الموضوعات، التي تطرح في مثل هذه الحالة، ما يتعلق بالاستيراد والتصدير، وقضايا الترانزيت وحرية المرور وحق العمل والإقامة، وتنشيط السياحة، ودعم التبادل الزراعي والصناعي، وقد تجري المفاوضات على مستوى البعثات الدولية، أو من خلال الوزارات المتخصصة في البلدين.

ومن الأمثلة الواضحة على التفاوض الاقتصادي، تأسيس منظمة التجارة العالمية، التي تجسد المصالح الكبرى للدول الغربية، وما يحصل الآن من مفاوضات صعبة بين هذه المنظمة ودول العالم للدخول فيها، وما تتعرض له دول العالم الثالث من ضغوط سياسة عالمية؛ لتوقيع معاهدة الانضمام إلى هذه المنظمة، وما يعني ذلك من فقدان بعض السيادة السياسة والاقتصادية.

وتشتمل المفاوضات الاقتصادية على عدد من الخطوات، التي تختلف في حالة إجرائها بين دولتين عن الحالة، التي تكون فيها المفاوضات بين دولة وشركات، أو شركات رأس مال.

فعندما يكون التفاوض بين دولتين، حول إقامة وتنفيذ أحد المشاريع أو عقد معاهدة أو اتفاقية اقتصادية، يجري التفاوض على النحو التالي: "تجري المفاوضات الأولى أو المبدئية عن طريق البعثات الدبلوماسية.. فتقترح السفارة على المسؤولين في دولتها رغبة الدولة الأخرى في عقد معاهدة اقتصادية معينة.

يدرس خبراء الدولة المقترح عليها المشروع، وبعد موافقة المسؤولين تبلغ الدولة الأخرى عن الموافقة المبدئية لبدء عمليات التفاوض، فتعين كل دولة فريقها المفاوض من الخبراء المختصين والمسؤولين، ويتفق على عقد الاجتماع الأول للفريقين المتفاوضين، ويحدد مكانه وزمانه ويدور البحث في الاجتماع الأول بصورة مفصلة في المواضيع الأولية، التي تعتبر نقطة انطلاق في التعرف على الأوضاع الاقتصادية، في كل من البلدين المتفاوضين، وهذه أهمها:
النظام المالي والضريبي.
نظام الاستيراد والتصدير.
ميزان المدفوعات.
الحاجات المتقابلة والفوائد المتبادلة.

أ. كل فريق يأخذ، من حكومته، التعليمات الواضحة، والخطوط العريضة الكبرى لسياسة دولته، والتفويض اللازم.

ب. إذا توصل الطرفان إلى الاتفاق على عقد معاهدة أو اتفاقية اقتصادية يوقعان عليها، ويرفع كل منهما إلى حكومته الوثيقة لعرضها على المرجع الرسمي، الذي له حق الموافقة النهائية عليها، بحسب دستور كل من الدولتين المتفاوضتين.

أما في حالة التفاوض بين دولة وشركة أو شركات متخصصة، فإن المبادئ العامة، التي تنبغي مراعاتها، هي:
نظرية النشاط الاقتصادي.
تحديد أوليات الأهداف الوطنية.
تفهم أهداف المستثمر الأجنبي.
تفهم الوضع التنافسي.

وذلك لأن أي شركة استثمارية، يهمها تحقيق الربح والحصول على عائد مادي، ومن ثم لا يمكنها المغامرة بالدخول في عمليات استثمارية، ما لم تحط بالظروف السياسية والاقتصادية والاجتماعية السائدة في الدولة، التي تريد الاستثمار فيها، وحيز الحرية في التحرك المتاح لها، فكلما كثرت القيود وتعددت جهات الاختصاص وتعرقلت الإجراءات، تضاءلت فرص الاستثمار. ومن الملاحظ أن دولا عربية كثيرة فيها فرص استثمارية جيدة، تعجز عن استقطاب رؤوس الأموال الوطنية والأجنبية للاستثمار فيها؛ بسبب عدم الاستقرار السياسي، وعدم وضوح سياستها الاقتصادية، وتعقد الإجراءات، وتضارب صلاحيات جهات الاختصاص. وفي الوقت نفسه، فإن هناك دولاً تقع فريسة لفرط التفاؤل بالمشروعات الاستثمارية، التي تقدمها الشركات العالمية الكبرى، فتقدم لها ما تستطيع من تسهيلات، وتكون المحصلة استفادة هذه الشركات على حساب الدولة ومصالحها، وتعرض البنية السياسية والاجتماعية والثقافية للمخاطر المحتملة من جراء هذا الانفتاح الواسع غير المدروس. وهذا ما يقتضي ضرورة توافر قواعد معلومات ضخمة عن الشركات الاستثمارية ومشروعاتها وإمكاناتها وغاياتها، قبل الدخول طرفاً في أي تفاوض معها، حتى يأتي أي مشروع استثماري محققاً لمصالح الدولة، بقدر ما يحقق الربح والكسب للشركة الاستثمارية.

وينبغي للدولة، كذلك، أن تسعى لتأسيس استقرار أوضاعها السياسة والأمنية من أجل استقطاب مشروعات استثمارية، تحقق صالح المواطن، لأن المناخ الاقتصادي جزء لا يتجزأ من المناخ العام السائد في الدولة، كما أن عليها إبراز المشروعات الاستثمارية الكبرى، التي وجدت طريقها إلى التنفيذ لطمأنة الشركات الكبرى الراغبة في الاستثمار واستقطاب مشروعات ذات جدوى اقتصادية.



أحدث أقدم