مؤتمر الصلح في باريس/معاهدة فرساي ـ 1919 | المكتبة الدبلوماسية

مؤتمر الصلح في باريس/معاهدة فرساي ـ 1919


غالباً ما يقترن أسم (معاهدة فرساي) بـ(مؤتمر باريس للسلام) حتى أصبح دارجاً القول (مؤتمر باريس) أو (معاهدة باريس) أو (مؤتمر الصلح في باريس ـ Paris Peace Conference) كناية عن (معاهدة فرساي ـ Treaty of Versailles) ودون تفريق بينهما. ولكن في حقيقة الأمر أن (مؤتمر الصلح في باريس) أو (مؤتمر باريس للسلام) هو المؤتمر الذي عقدته الدول المنتصرة في الحرب العالمية الأولى(1) وفرضت فيه على الدول المنهزمة في تلك الحرب شروطاً قاسية يجب الأذعان لها دون نقاش وكانت على شكل معاهدات منفردة في أطار عام ضمها جميعاً وهو (مؤتمر باريس) والذي عقدته ، كما أسلفنا ، القوى المتحالفة والمتحدة ( Allied and Associated powers) في باريس للفترة من (18 كانون الثاني 1919 ولغاية 20 كانون الثاني 1920) وذلك للتوصل إلى التسوية السلمية (Peace settlement) التي تضمنتها معاهدات (فرساي ـ Treaty of Versailles ) و(سانت جيرمان ـTreaty of st. Germain) و(نيولي ـTreaty of Neuilly) و(ترينون ـTreaty of Trianan) و(سيفر ـTreaty of Sevres) ، أي أن (معاهدة فرساي) هي احدى المعاهدات التي تضمنها (مؤتمر باريس للسلام) ، ولكن طغت تسمية (معاهدة فرساي) كناية عن (مؤتمر باريس) ذلك أن المؤتمر نفسه قد عقد في هذه المدينة فأصبح يسمى بها فضلاً عن أن (معاهدة فرساي) كانت أهم هذه المعاهدات المارة بنا سلفاً.


 وكان المؤتمر حتى شهر تموز/يوليو تحت هيمنة (الأربعة الكبار ـ Big Four) (ويلسون Wilson الولايات المتحدة الأميركية ، وكليمنصو Clemenceau فرنسا ، ولويد جورج Lloyd George بريطانيا ، وأورلاندو Orlando أيطاليا). عرقلت أعمال المؤتمر خمسة عوامل رئيسة ، هي:



 (1) التضارب في أهداف الأربعة الكبار (أختلف ويلسون مع كليمنصو بخصوص مسألة عصبة الأمم (League of Nations) ، وأختلف ويلسون مع أورلاندو بشأن الأدرياتيك (Adriatic) ، وأختلف لويد جورج مع كليمنصو بخصوص بولندا ... ألخ ).

 (2) مطالبة جماعات الضغط ، كل في وطنه ، بشروط سلام أكثر صرامة (مثلاً ،أبرق 370 عضواً برلمانياً إلى لويد جورج لزيادة مبالغ التعويضات الألمانية ، وحثت الدوائر العسكرية الفرنسية كليمنصو لفصل أراضي (الراين ـ Rhineland) من المانيا).

 (3) الأنعزالية (الأنعزال السياسي وصرف الدولة عن اقامة علاقات أقتصادية مع دول أخرى) في الولايات المتحدة الأميركية (التي جعلت الكونغرس يرفض مشاريع ويلسون في النهاية !).

 (4) الجماعات القومية التي نفد صبرها والتي آمنت بأستخدام السلاح في المناطق التي كانت لا تزال تحت المداولة.

 (5) الشك بشأن الحدود الروسية بسبب الحرب الأهلية في روسيا.



 وفي النهاية حقق (مؤتمر باريس) درجة عالية في مسألة تقرير المصير العرقي.

 حضر (مؤتمر باريس) هذا رئيس الولايات المتحدة وودرو ويلسون وأحد عشر رئيس وزراء وأثنا عشر وزير خارجية ، منهم جورج كليمنصو رئيس وزراء فرنسا ، وديفيد لويد جورج رئيس وزراء بريطانيا. ولم يدع َ مندوب عن (الاتحاد السوفيتي) إلى المؤتمر ، ولم تحضر المؤتمر الدول المندحرة (دول الوسط) بل كان عليها أن توقع على الوثائق بعد أعدادها ، لأن السلام فرض فرضاً ولم يكن نتيجة مفاوضات. أما آلية اصدار القرارات وآلية التمثيل في المؤتمر هذا فقد حدد في الأجتماع الرسمي 12/1/1919 الذي عقدته وفود الولايات المتحدة وبريطانيا وفرنسا وأيطاليا وقررت أن يقتصر التمثيل في المؤتمر على الدول التي أعلنت الحرب على المانيا أو قطعت علاقاتها معها. وتقرر أن يضم الأجتماع الكامل للمؤتمر جميع ممثلي الدول ، ولكن سيكون هناك (مجلس العشرة) يضم مندوبين أثنين من كل من الدول الخمسة الكبرىالولايات المتحدة ، بريطانيا ، فرنسا ، أيطاليا ، اليابان) ، ومجلس العشرة هذا هو الذي يقرر الأمور التي تحال إلى المؤتمر العام. وتقرر أن تكون الدول الخمس الكبرى ممثلة في جميع اللجان ويحدد تمثيل الدول الأخرى في اللجان التي تبحث أموراً تخص تلك الدول بصورة مباشرة. عقدت ست جلسات عامة فقط قبل الأنتهاء من وضع مشروع معاهدة الصلح مع المانيا. لذلك يمكن القول أن (مجلس العشرة) هو (مؤتمر الصلح) عملياً خلال الشهرين الأولين ، وكانت أجتماعاته سرية. فسح المجال أمام ممثلي الدول الأخرى لكي يحضروا مجلس العشرة لتقديم مطاليبهم. وقد عيّن مجلس العشرة لجاناَ خاصة تحال اليها المسائل العويصة لدراستها وتقديم تقارير عنها قبل الأنتهاء من أعداد مشروع معاهدات الصلح مع المانيا ، كانت قد عينّت (52) لجنة لمعالجة مختلف المشكلات.




 وبالنظر لوجود الرغبة بالأسراع في وضع المعاهدة مع الحاجة إلى السرية خلال فترة التوفيق بين الدول الكبرى فقد تم تغيير تنظيم المؤتمر إذ في (25) آذار أعلن أنه ستعقد مؤتمرات غير رسمية للمندوبين الرئيسيين تحل محل أجتماعات (مجلس العشرة) ثم حل (مجلس الخمسة) محل (مجلس العشرة) ، وصار بمثابة لجنة رئيسة. وأصبح (مجلس الخمسة) يدرس تقارير اللجان ثم يحيلها إلى (الأربعة الكبار ـ Big Four) وكان هؤلاء الأربعة يجرون محادثات شخصية وغير رسمية ثم ألفوا ما يسمى بـ(مجلس الأربعة ـ Council of the Four) ، وهم رؤساء وفود (الولايات المتحدة وبريطانيا وفرنسا وأيطاليا) وهو الذي أنجز كل قرارات المؤتمر المهمة المتعلقة بمعاهدة الصلح مع المانيا.

 في بداية المؤتمر حدث خلاف في الرأي حول ما إذا سيكون ميثاق (عصبة الأمم)(2) جزءاً من معاهدة السلام مع المانيا ، أو سيكون بشكل وثيقة مستقلة. قال رئيس الولايات المتحدة ويلسون أن ميثاق العصبة يجب أن يكون جزءاً لا يتجزأ من معاهدة السلام مع المانيا. بينما أراد الساسة الآخرون عقد معاهدة السلام بسرعة ولا حاجة للأنتظار حتى يوضع الميثاق ، بينما قال ويلسون أن معاهدة السلام مع المانيا هي المعاهدة الرئيسية وإذا تركنا الميثاق خارجها فأنه سيضعف العصبة أو ربما يؤجل تكوينها إلى ما لا نهاية. وأن تأسيس العصبة يعود بالفائدة على جميع الشعوب. وعندما شرع بوضع مشروع الميثاق أصّرت الولايات المتحدة على ضمان (مبدأ مونرو)(3). طالب الفرنسيون بتحديد (مبدأ مونرو) ولذلك عارضوا ذكر (مبدأ مونرو).

 أما (معاهدة فرساي) فقد فرضها الحلفاء المنتصرون على المانيا المندحرة ، وتعد أهم معاهدة أنجزها (مؤتمر الصلح في باريس). وافق المؤتمر ، تحت الحاح وأصرار الرئيس ويلسون ، على أن يكون (ميثاق عصبة الأمم) جزءاً لا يتجزأ من معاهدة الصلح مع المانيا وذلك في يوم 25/1/1919 . ألف المؤتمر لجنة من (14) عضواً برئاسة ويلسون لوضع صيغة الميثاق وبه أعترفت الدول الأوروبية بـ(مبدأ مونرو) ، وفي (28) نيسان وافق المؤتمر في الأجتماع العام على هذا الميثاق المكوّن من (26) مادة(4).

 و(فرساي) هي مدينة فرنسية تقع في الجنوب الغربي من باريس العاصمة وعلى بعد (12) ميلاً (18 كم) منها ، وتعتبر بذلك من ضواحيها. بلغ عدد سكانها (سنة1985) (95 ألف نسمة) ، من الأحداث التاريخية الهامة فيها هو تتويج الملك البروسي فلهلم في 18/1/1871 أمبراطوراً على المانيا الجديدة وذلك بعد هزيمة فرنسا والأستيلاء على باريس . أما (معاهدة فرساي) وهي أتفاقية الصلح التي أنهت حالة الحرب التي نشبت عام 1914 وقد سبق عقد هذه المعاهدة أعلان الهدنة في 11/11/1918 وتم عقد المعاهدة في 28/6/1919 وأصبحت المعاهدة نافذة منذ 10/1/1920 ، وقد تضمنت (معاهدة فرساي) في مقدمتها الموافقة على تأسيس عصبة للأمم بعد أن أصر الرئيس ويلسون (كما مر أعلاه) على وجوب أن يكون ميثاق عصبة الأمم جزءاً لا ينفصل عن (معاهدة فرساي) يتعين على جميع الدول الموقعة عليها تنفيذه والسير بمقتضى نصوصه. وكان له ذلك.


بنود معاهدة فرسـاي


عدا البنود الخاصة بتأسيس (عصبة الأمم) نذكر أهم ما أشتملت عليه هذه المعاهدة:

 تقوم ألمانيا بتسليم ما يلي:

 1ـ الألزاس واللورين ( Lorraine ـ Alsace ) إلى فرنسا .

 2ـ مقاطعة ( يوبين ـ مالميدي)(Malmedy ـEupen ) إلى بلجيكا.

 3ـ (بوزين والممر البولندي) إلى بولندا.

 4ـ ( ميمل ـ Memel ) إلى ليتوانيا (في سنة 1923).

 5ـ ( شمال شلزفيك ـ Schleswig North of ) إلى الدنمارك (في 1920 قسمت شلزفيك بين المانيا والدنمارك وفقاً لأستفتاء).

 6ـ (شرق سيليزيا العليا ـ Upper Silesia ) إلى بولندا.

 7ـ ( هولشتين ـ Hultschin ) إلى تشيكوسلوفاكيا ، وتنازلت المانيا عن جزء صغير من (سيليزيا العليا) إلى تشيكوسلوفاكيا.

 8ـ ( دانزك ـ Danzig ) إلى عصبة الأمم.

 9ـ منطقة ( السار ـ Saar ) إلى العصبة مع إجراء أستفتاء في عام 1935 (5).

 وهذه الشروط أيضاً:

 1ـ عدم محاولة الأتحاد مع النمسا ، وهو ما يعرف بـ( الأنشلوس ـ Anschluss ) (6).

 2ـ نزع السلاح وتفكيك التحصينات.

 3ـ الغاء التجنيد العام مع تكوين جيش لا يزيد على ( 100 ) ألف مقاتل لغرض فرض القانون والنظام في الداخل وواجبات الحدود. على أن تكون خدمة الضباط لمدة ( 25 ) سنة متوالية ، وأن تكون خدمة الجنود العاديين لمدة ( 12 ) سنة ، وأن لا يزيد عدد الضباط والجنود الذين يسرحون عن نسبة 5 % في السنة.

 4ـ عدم أمتلاك سلاح جوي أو مدفعية ثقيلة أو غواصات.

 5ـ تخريب مصانع الذخيرة.

 6ـ أحتلال الراين لمدة ( 15 ) سنة.

 7ـ أنتداب دول الحلفاء على المستعمرات الألمانية وفقاً لنظام الأنتداب ( System of Mandates )0

 8ـ الأعتراف بجريمة الحرب.

 9ـ القيام بدفع التعويضات اللازمة.

 10ـ تحديد القوة البحرية بست بوارج و(30) سفينة صغيرة وعدم بناء سفن أكبر من مئة ألف طن.

 11ـ تقليل عدد العاملين في الأركان العامة ( Staff ) من (34 ألفاً ) إلى ( 4 آلاف ).


التعويضـات ( Reparations )


 في 5/11/1918 طالب الحلفاء المانيا بمذكرة بأن تدفع تعويضات عن الأضرار التي لحقت بالمدنيين من الحلفاء وبأموالهم وذلك بأعتداء الألمان في البحر والجو والبر (7).

 وبأفتتاح مؤتمر السلام طالب مندوبو بريطانيا وفرنسا بضرورة أدخال تكاليف الحرب ضمن التعويضات التي على المانيا دفعها وبذلك وحده يمكن أن يقال أن التسوية السلمية عادلة حقاً. أما الوفد الأمريكي فقد رأى أنه يجب أن تكون التعويضات على المانيا محصورة بحدود الأتفاقيات التي تمت قبل عقد الهدنة ولذلك يجب أن تشمل التعويضات الأضرار التي حدثت لا تكاليف الحرب. وافق الثلاثة الآخرون من (الأربعة الكبار) على هذا الرأي. فجاءت صياغة المادة (231) من (معاهدة فرساي) ،كالآتيأن حكومات الدول الحليفة والمشاركة تؤكد ، والمانيا توافق ، على مسؤولية المانيا وحلفائها في التسبب بالخسائر والأضرار التي تكبدها مواطنو حكومات الدول الحليفة والمشاركة بسبب الحرب التي فرضت عليهم بعدوان المانيا وحلفائها). ثم دب الخلاف بين (الأربعة الكبار) حول مقدار التعويضات ومدتها وطريقة جمعها. ثم أتفق الحلفاء على أن تدفع المانيا في آيار 1921 مبلغاً وقدره ( 5 ) مليارات دولارات من الذهب أوما يعادلها. أما ما تدفعه بعد ذلك فقد ترك دون تحديد ويتم الأتفاق عليه في حينه. ثم ألفت لجنة خاصة بالتعويضات لمعالجة الموضوع. وقد عرفت هذه التعويضات عن الأضرار بأسم (التعويضات ـ Reparations ) ، والتي كان تحديد كميتها حسبما يطلبه الحلفاء من المانيا من أهم وأصعب المشاكل التي واجهت الجميع في (معاهدة فرساي) حيث ترك لـ( لجنة التعويضات ) تقديم قرار خاص بالتعويضات تقدمه بعد سنتين وتبين فيه مقدار ما يجب أن تدفعه المانيا وكيفية الدفع ويالأضافة للمبلغ الذي طلب من المانيا تقديمه فوراً ، كما ذكر، فقد طلب منها أن تبني للحلفاء سفناً عوضاً عن السفن التي أغرقتها ، وأن تقدم إلى فرنسا كميات هائلة من الفحم الحجري بدل المناجم التي دمرتها. وقد أنتقد عدد كبير من الأقتصاديين طريقة الحصول على مبالغ نقدية من البلدان المغلوبة والتي فقدت عدداً من الأسواق حيث تنبأ كثير من الأقتصاديين (الأنكليز والأميركان والطليان) بصعوبة تطبيق بنود هذه المعاهدة وبأنها ستعيق أنعاش أوربا المالي ، وقد تأكد صحة ذلك. الألمان أرسلوا الأحتجاجات الطويلة إلى المؤتمر، حيث قالوا أن هذه المعاهدة وضعت بدافع الأنتقام لتدمير بلادهم ، وأنها لا تنطبق والنقاط الأربعة عشر التي أعلنها ويلسون (8) ، كما أن عدم تحديد مبلغ التعويضات معناه تكبيل المانيا بأغلال العبودية الأبدية0 وأن المبلغ المطلوب دفعه حالاً يفوق ثمن كل ما في المانيا من ثروة. وأنهم لا يعترفون أبداً بأنهم مسؤولون وحدهم عن الحرب ، وأنهم لا يستطيعون تنفيذ المعاهدة وأنهم أرغموا على عقدها وأنهم وقعوا عليها تحت تهديدات الحلفاء ، على أية حال ، في شهر نيسان/أبريل عام 1921 ثبتت التعويضات الألمانية بمقدار ( 000 000 600 6 ) جنيه أسترليني (إضافة إلى الفوائد). دفعت المانيا القسط الأول وقدره ( 50 ) مليون جنيه أسترليني فوراً ولكن مع التضخم المالي لعام 1922 علقت المدفوعات ـ وكان هذا عملاً أدى إلى أحتلال الروهر ( Ruhr ). وفي عام 1924 سمح ( مشروع داوز ـ Daws Plan ) لألمانيا أن تحصل على قرض لكي تدفع التعويضات ، ثم نجحت محاولات المانية أخرى للحصول على تعديل بشأن المبالغ النهائية عام 1929 عندما خفض ( مشروع يونغ ـ Young Plan ) الرقم بمقدار يناهز الـ ( 75 % ) ، وسمح لألمانيا أن تدفع المبالغ حتى عام 1988 ، وقد أوقف دفع كافة التعويضات الأنهيار المالي العام سنة 1931 ، وكل ما دفعته المانيا هو ثمن المبلغ الذي طولب به أصلاً ، إلا أنها أستلمت في الأعوام 1924 ـ 1930 قروضاً أجنبية لمساعدتها على عودتها إلى الوضع المالي السوي تساوي خمس المبلغ الأصلي ( أما دفعات التعويضات المفروضة على النمسا وهنغاريا ، فقد عولجت بالقروض إلى درجة كبيرة أيضاً ، وفي هذه الحالة أسندتها عصبة الأمم ـ League of the Nations ).


تم الاعتماد على مصادر متعددة




أحدث أقدم