نظام الرهائن في اليمن في عهد المملكة المتوكلية اليمانية (1918-1962م) | المكتبة الدبلوماسية

نظام الرهائن في اليمن في عهد المملكة المتوكلية اليمانية (1918-1962م)

الباحث: أ/ أمين محمد علي الجبر
الدرجة العلمية: ماجستير
تاريخ الإقرار: 2005 م
نوع الدراسة: رسالة جامعية

الملخص :
ليس ثمة ظاهرة سياسية اجتماعية، حظيت باستهجان ونقد معظم الكتاب والمؤرخين، مثل نظام الرهائن Hostage system في المملكة المتوكلية اليمانية (1918ـ 1962)، ولم تلق هذه الظاهرة قبولاً سوى من بعض من أرًخ للإمامة من جانب رسمي.
       ومع أن الدلائل تؤكد أن الرهائن هي ظاهرة قديمة ليس في اليمن فحسب, ولكن في دول وحضارات اخرى قديمة ,فان ظاهرة اخذ الرهائن في عهد الدولة المتوكلية تحول إلي نظام قائم بذاته ,حيث تميز بوسائله المتعددة ومقاصده وغاياته التي تتلخص في تثبيت النظام وفرض الولاء للإمام وللمذهب .


       ومع نهاية عهد العثمانيين في اليمن سنة1918م، أظهر الإمام طموحا في زيادة المساحة التي تقع تحت نفوذه منذ صلح دعان1911م ,وشجعه على ذلك انه بعد خروج الاتراك لم تكن هناك قوة حقيقية تستطيع منافسته ,ومع ذلك وجد الإمام نفسه بحاجة إلى إعمال القوة لبسط سيطرته ونفوذه على سائر البلاد ,فكان أن استخدم نظام الرهائن على نطاق واسع ,وعلى نحو ما سيرد في الدراسة .
       ويبدو ان دافعه إلي ذلك ليس فقط فرض السيطرة السياسية ,ولكن ايضا فرض الزعامة الروحية من خلال حمل اليمنيين على الانضواء تحت راية المذهب الزيدي ـ وان لم يفرضه قسرا ـ ومن ثم الولاء لآل البيت الذين ينتمي اليهم الإمام .
      لقد مثل نظام الرهائن واحدا من أبرز مظاهر العنف السياسي للنظام الإمامي الملكي ,كما سنرى في هذه الدراسة .
      والجدير بالملاحظة أن نظام الرهائن في عهد الدولة العثمانية كان جزءاً من المهام التي أشرف على تطبيقها بعض الولاة الأتراك كما تذكر المصادر التاريخية، في حين أن الأئمة العلويين توسعوا في ممارسة هذا النظام لا سيما في عهد المطهر بن شرف الدين (ت980هـ-1573م)، خلافاً لما كان عليه في العهد العثماني.
      وهذا التوسع في تطبيق نظام الرهائن سرعان ما اصبح منهجا اشد وضوحا منذ تسلم الإمام يحيى (ت1367هـ-1948م) مقاليد السلطة والحكم في صنعاء عام 1918م وإن كان قد مارسه قبل هذا التاريخ عندما كان يمارس نفوذه باعتباره إماما و زعيماً روحياً للطائفة الزيدية.
     تتناول هذه الدراسة نظام الرهائن في عهد المملكة المتوكلية اليمانية (1918-1962م) كظاهرة تاريخية ذات ملامح سياسية واجتماعية ونفسية، جديرة بالدراسة والبحث، بمنأى عن السرد التاريخي الذي انتهجته الدراسات التاريخية السابقة.
       إن التلازم بين نظام الرهائن وخضوع أهل اليمن لسلطة الأئمة الحكام، قد شكل مع مرور الايام عبئا ثقيلا على كاهل الناس وبدأ قطاع واسع منهم يعبرون عن ضيقهم من السياسة المركزية المفرطة التي يتبعها الإمام حتى تطور الامر إلى إعلان بعض القبائل الخروج على السلطة الإمامية.
      ولعل المقاومة القبلية المسلحة التي شهدها الريف اليمني منذ عقد العشرينيات في حاشد والزرانيق والمقاطرة والضالع وريمة ومراد والبيضاء، وخولان …الخ، دليل قاطع على رفض سياسات الإمام التي يمثل نظام الرهائن أسوأ مظاهرها على الإطلاق .
     ومنذ اوائل الاربعينيات اتخذ التعبير عن رفض نظام الرهائن من قبل بعض شيوخ القبائل منحاً جديدا تمثل في الخروج على سلطة الإمام من خلال الانضمام إلي صفوف المعارضة التي بدأت تتشكل آنذاك من مجموعة من المثقفين الذين نزحوا إلي مدينة عدن.
     وتحاول هذه الدراسة إثارة جملة من الأسئلة حول طبيعة هذا النظام وتطبيقاته في العهد الملكي، ومدى إسهاماته في ترسيخ نفوذ سلطة الدولة المركزية على حساب مؤسسة القبيلة ونفوذها، وإذا كان الأئمة الحكام قد أسهموا في جعل نظام الرهائن أحد أعمدة حكمهم، فإن هذا النظام قد ساهم بدوره في زعزعة الأمن والاستقرار بسبب رفضه، ومقاومته من القوى القبلية كما أن حركة المعارضة اليمنية عملت كل ما بوسعها على التشهير بهذا النظام من خلال صحفها وأدبياتها.
إن الهدف من هذه الدراسة هو تبيان ما غفل عنه الباحثون والدارسون والذين ركزوا اهتمامهم على البعد التاريخي، ولم يتطرقوا بصورة اعمق إلى الابعاد الاخرى لهذا النظام وإلى آثاره السياسية والاجتماعية والنفسية على ضحاياه، الذين لبث بعضهم سنوات خلف الأسوار ينتظرون الخلاص والعودة إلى أهلهم وذويهم .
     وتشير بعض الكتابات التي ألفها الرحالة العرب والأجانب الذين أتيحت لهم زيارة اليمن في فترة ما بين الحربين العالميتين وما بعدها ,إلى ما تكون لدى هولاء الرحالة من انطباعات متباينة تجاه السياسة المركزية المفرطة للنظام الإمامي الملكي، لكن اهم ما تضمنته تلك الكتابات من مواقف لا تخلو من الانتقادات إلى نظام الرهائن وفي مقدمتهم أمين الريحاني صاحب كتاب (ملوك العرب)، وسلفادور أبونتي في كتابه المترجم إلي العربية بعنوان (هذه هي اليمن السعيدة) وهانز هو لفريتز في كتابه المترجم إلي العربية بعنوان (اليمن من الباب الخلفي)، ومنهم من برر، ودافع عن النخبة الحاكمة وعلى رأسهم نزيه مؤيد العظم في كتابه (رحلة في بلاد العربية السعيدة) ومحمد حسن عضو البعثة العسكرية العراقية في كتابه (قلب اليمن) وغيرهم.
      ومن جهة أخرى، فإن الدراسات العلمية، خصوصاً تلك الأطروحات الأكاديمية التي تعرضت لنظام الرهائن في اليمن الحديث، لم تعط الموضوع حقه، فعلى سبيل المثال لا الحصر قدمت كل من دراسة فضل أبو غانم (البنية القبلية في اليمن بين الاستمرار والتغّير)، ودراسة سيد سالم (تكوين اليمن الحديث)، عرضاً عاماً لهذه الظاهرة التاريخية، وأهملت دراسة البيئة السياسية, التي تولد عنها ذلك النظام.
لقد طبق هذا النظام على شريحة من السكان، وخاصة أبناء زعماء القبائل اليمنية، الذين اعتقلتهم السلطات الإمامية، لضمان ولاء ذويهم ,وحرصت على إعادة تنشئتهم العقائدية السياسية على أسس ثقافية تدين بالولاء لشخص الإمام، ليتم إلحاقهم في مرحلة الشباب بالجهاز الإداري والجيشين الدفاعي والبراني.
     تمثل الوثائق بالنسبة لموضوع بحثنا مصدراً رئيسياً، كون نظام الرهائن في اليمن لم يدرس دراسة علمية موثقة، لذا كان من الأهمية بمكان الرجوع إلى الوثائق الرسمية لحكومة المملكة المتوكلية اليمانية المتوفرة للباحث في المركز الوطني للوثائق وبعض مراكز الدراسات والأبحاث.
    تشكل هذه الوثائق المصدر الرئيسي لبحثنا، فضلاً عن الوثائق ذات الصفة غير الرسمية، التي يحتفظ بها بعض الأهالي, الذين كانت تربطهم صلة مباشرة بالدولة في عهد الإمامين يحيى وأحمد حميد الدين.
    وهي تحتوي في مجملها على سائر المعاملات اليومية المتعلقة بنظام الرهائن، والإجراءات التي تتخذها الدولة وكذا الاجراءات التي تتخذها القبيلة ,لتوفير الطعام والمسكن والتعليم والصحة وعملية المناقلة..الخ، ورعاية الرهائن في السجون والمعتقلات.
    وقد احتوت بعض المصادر الأولية، خصوصاً تلك المخطوطات المتوفرة في دار المخطوطات بصنعاء، مادة تاريخية قيمة لبحثنا, كون مؤلفيها عاصروا فترة المملكة المتوكلية اليمانية، بل وتبوأ بعضهم مراكز تنفيذية وقضائية وتشريعية وسياسية، فخرجوا بانطباعات عامة تساعدنا على فهم جوهر نظام الرهائن وتطبيقاته على أرض الواقع.
    فكانت هذه الأعمال المخطوطة عوناً لنا في استكمال الدراسة والبحث, خصوصاً مؤلف الحسن بن أحمد الإرياني (صادق التحاقيق بما حدث في قبيلة حاشد والزرانيق)، وكتاب محمد بن عبد الرحمن شرف الدين (البرق المتألق في رحلة مولانا سيف الإسلام إلى المشرق) وكتاب عبد الكريم مطهر الذي حققه محمد عيسى صالحية (كتيبة الحكمة في سيرة إمام الأمة) الذي يسلط الضوء على طبيعة الصراع بين المؤسسة الإمامية والمؤسسة القبلية من وجهة نظر رسمية، أيضاً كتاب أحمد عبد الله الجنداري (الدر المنتقاة في سيرة الإمام المتوكل على الله وخصاله المرتضاه)، وغيرها من الكتب المخطوطة التي تناولت تلك الفترة.
    من جهة أخرى، تقدم لنا المراجع الثانوية معلومات وافرة لا يمكن الاستغناء عنها، خصوصاً ما كتبه الزوار والرحالة الأجانب والعرب الذين تطرقوا لنظام الرهائن وممارساته على نطاق واسع في العهد الملكي، وهي على محدودية معالجتها لمظاهر السياسة المركزية ومنهج الحكم الذي سلكه الإمام يحيى وولده أحمد، تساعدنا على فهم هذا النظام وأثره على مستقبل اليمن المعاصر.
   أما الكتابات باللغة الأجنبية: فلم نعتمد عليها كثيراً، لا لأنها لم تأت بالجديد فحسب، وإنما لأنها كررت ما أوردته المصادر اليمنية.
واستكمالاً للفائدة العلمية، قمنا بالاتصال ببعض الشخصيات التي كانت رهائن في العهد الإمامي الملكي.ولم يبخل الكثير منهم في الإجابة والتعليق على استفساراتنا، ومناقشة بعض الملابسات الغامضة حول بعض الأحداث والمواقف التي تطرقنا إليها في دراستنا.
     وقد قسمنا دراستنا هذه إلى أربعة فصول :
قدمنا في الفصل الأول: تعريفاً لنظام الرهائن لغةً واصطلاحاً وأنواع الرهائن, التي كانت تأخذها المملكة المتوكلية من رعاياها. كما قمنا بإعطاء خلفية تاريخية عن نظام الرهائن. تبين جذور هذا النظام والغايات المختلفة من استخدامه عبر مراحل تاريخية طويلة .
 وخصصنا الفصل الثاني:وخصصنا الفصل الثانيلدراسة الجانب التطبيقي لهذا النظام ,حيث بينا فيه الطرق المتبعة في أخذ الرهائن وكيف كانت تتم عملية المناقلة للرهائن عند انتهاء المدة المحددة لهم، وعدم قبول الإمامة بغير أبن الشيخ رهينة. وهو مايؤكد بان نظام الرهائن كان نظاماً قائماً بذاته له إدارته واجراءاته المحددة وقواعده المنظمة ، كما تطرقنا إلى مسألة تعليم الرهائن وتربيتهم في المعتقلات والسجون, ونوعية المنهج الدراسي الذي كانوا يدرسونه والذي كان يكرس مبدأ الولاء لشخص الإمام ,ووظيفته الأيديولوجية , التي كانت تخدم مصالح الطبقة الحاكمة والمؤسسة الإمامية, كما تطرقنا إلي تأثير السجن على نفسية الرهائن، واوضحنا مصادر مالية الرهينة،وتناولنا الحالة الصحية للرهائن وأوضاعهم في المعتقلات، ورأي الدين والأعراف في نظام الرهائن عموماً.
 وفي الفصل الثالث: حاولنا إبراز دور نظام الرهائن المحوري في عملية بسط السلطة المركزية للمملكة وتثبيت دعائمها نتيجة لما أبدته القبائل في بداية الأمر من خضوع واستكانة تجاه تطبيقات هذا النظام، وقد صاحب عملية بسط السلطة المركزية وتعميم نظام الرهائن على معظم مناطق اليمن العديد من التمردات والانتفاضات التي عبرت عن الرفض لهذا النظام ,الذي اخذ به الإمام يحيى منذ مبايعته بالإمامة عام 1904م وهو لا يزال مجرد زعيم روحي للطائفة الزيدية.
 أما الفصل الرابع والأخير: فقد تناولنا فيه تأثير نظام الرهائن على الحكم الملكي الإمامي، وأوضحنا كيف لعب دوراً مزدوجاً ,فساعد في بادئ الامر على فرض السلطة المركزية وتوسيع رقعتها ,ثم تحول إلي عامل من عوامل زعزعة هذه السلطة .
أما الخاتمة فقد ضمناها النتائج التي توصلنا إليها من خلال دراستناهذه.
ومع ذلك ورغم ما بذلته من جهد في هذا البحث، إلا أنه يظل مشوباً بالقصور والنقصان، مادمت إنساناٌ فالكمال لله وحده. غير أني أستطيع أن أؤكد أني قد تحريت الحقيقة المجردة، قدر جهدي وجعلتها غايتي والتزمت بما قادتني إليه دراستي المنهجية للمواد التي يُسِرَ لي العثور عليها، وجلها مواد من بقايا الإدارة الإمامية سواء وثائق أو مخطوطات.
 ختاماً: لا بد أولاً أن أشكر الله الذي وفقني لإنجاز هذا العمل، كما أشكر أستاذي القدير الذي كان خير مشرف على هذه الرسالة أ.د.أحمد قايد الصايدي.
هذا وإني لأرجو أن أكون قد أسهمت في بحثي هذا في إعطاء صورة أقرب إلى الحقيقة للقارئ عن نظام الرهائن في اليمن خلال حكم المملكة المتوكلية، فإن أصبت فذاك ما أرجو وإن أخفقت فحسبي أني حاولت جاداً ومتجرداً، والله من وراء القصد.


أحدث أقدم