جزر حنيش والنزاع اليمني الإريتري | المكتبة الدبلوماسية

جزر حنيش والنزاع اليمني الإريتري

يمثل أرخبيل حنيش مجموعة الجزر الواقعة أمام مديرية الخوخة. ويُعد الأرخبيل أقرب الجزر اليمنية إلى الممرات البحرية في البحر الأحمر، للسفن المتجهة إلى مضيق باب المندب، أو القادمة مباشرة منه.
وفي السّبعينيات، سمحت اليمن للثوار الإريتريين، تخزين الأسلحة في هذه الجزيرة، لاستخدامها في صراعهم ضد النظام الإثيوبي. وبُني فنار، في مطلع الثمانينيات، في الجانب الشرقي من رأس عربات، في زقر. ويتيح ارتفاع جبل زقر السيطرة الإستراتيجية، والإشراف على كل الممرات الدولية لخطوط الملاحة في البحر الأحمر. ويمكن مشاهدة الساحل الإريتري من على قمة جبل زقر، لذلك تتمتع هذه القمة بأهمية عسكرية كبيرة.

أما جزيرة حنيش الكبرى، فتمتد من الشمال إلى الجنوب الغربي، وتبلغ مساحتها66 كم2.
وتوجد جنوب جزيرة زقر، جزيرة حنيش الصغرى، وهي جزيرة صخرية بركانية، يبلغ أعلى ارتفاع لها عن سطح البحر 127 قدماً، وتصل مساحتها إلى 10 كم2. وتبعد عن الساحل
اليمني حوالي 25 ميلاً بحرياً، وعن الساحل الإريتري حوالي 47 ميلاً بحرياً، وقد بنت عليها مؤسسة الموانئ اليمنية فناراً عام 1981م .
وكانت جزر حنيش موضع نزاع بين الدولتين، قبل استقلال إريتريا عام 1993م، وشهدت بعض الفترات موجات خلاف بينهما، مثلما حدث عام 1974م . وتشير معظم المصادر والخرائط إلى أن إريتريا، سبق لها أن اعترفت بتبعية تلك الجزر لليمن.
وبعد تحقيق الوحدة اليمنية عام 1990م، عملت اليمن على إنشاء الفنارات في الجُزر وإدارتها وصيانتها، وصُممت لتعمل بالطاقة الشمسية، بالاتفاق مع شركة سيمنس الألمانية، خدمة للملاحة العالمية في الممرات الدولية للبحر الأحمر، التي تقع جميعها في المياه الإقليمية لليمن.

وتعزيزاً لحقوقها التاريخية، في السّيادة على جزرها في البحر الأحمر، مارست اليمن حقوقها السياسية على تلك الجزر، بما يتناسب وطبيعتها غير المأهولة.
فسمحت اليمن ـ الشطر الشمالي سابقاً ـ لفصائل الثورة الإريترية باستخدام الجزر اليمنية في البحر الأحمر، بما فيها مجموعة جزر حنيش الكبرى، خلال نضالها؛ لتحقيق استقلال إريتريا. ولم تكن تلك العناصر تتعرض للمطاردة، عند دخولها إلى المياه الإقليمية لتلك الجزر، سواء خلال العهد الإمبراطوري في إثيوبيا، أو في أثناء حكم منجستو هيلا ماريام، إدراكاً من إثيوبيا أن هذه الجزر ليست تابعة لها.
كما سمحت اليمن ـ "الشطر الشمالي سابقاً" ـ لمصر، بالوجود في الجزر اليمنية في البحر الأحمر، بما فيها مجموعة جزر حنيش الكبرى، خلال تحضيرات مصر لحرب أكتوبر 1973م، بموجب اتفاق سري وقعته اليمن ومصر في 12 مايو 1973م. ولم تعترض إثيوبيا، أو أي دولة أخرى، على ذلك القرار اليمني.
منذ استقلال إريتريا في 25 مايو 1993م، لم تثر مشكلة جزيرة حنيش، ولم تتقدم الحكومة الإريترية قط بأي مطالب أو ادعاء. وواصلت الحكومة اليمنية التصرف، كما اعتادت دائماً، باعتبار تلك الجزيرة تابعة لها. واستمرت باسطة سيادتها عليها، من خلال وجود حامية عسكرية صغيرة فيها. وكذلك، من خلال استخدام الصيادين اليمنيين لها.
كما ظلت الأطراف الخارجية أيضاً، تتصرف على أساس تبعية تلك الجزيرة للسيادة اليمنية، حتى إن الأجانب الذين يزورون جزيرة حنيش الكبرى لأغراض سياحية، كانوا يأخذون الإذن من الحكومة اليمنية.
وقد شهدت العلاقات اليمنية الإريترية، تدهوراً مفاجئاً، قبيل نهاية عام 1995م، بسبب من منهما صاحب الحق في امتلاك جزيرتي حنيش الكبرى والصغرى، وجزيرة زقر.
طالبت إريتريا، في النصف الأول من نوفمبر 1995م، بإجلاء الحامية اليمنية، الموجودة في جزيرة حنيش الكبرى، على اعتبار أنها من الجزر الإريترية. فأرسلت اليمن وفداً على مستوى عال، إلى أسمرة، للتفاوض مع المسؤولين الإريتريين، حول ترسيم الحدود البحرية. وتم الاتفاق، في اجتماع 7 ديسمبر 1995م، على تأجيل المباحثات حول ترسيم الحدود، إلى ما بعد شهر رمضان (نوفمبر 1996م). 

أولاً: احتلال إريتريا جزيرة حنيش

في 15 ديسمبر 1995م، من دون مقدمات سياسية أو عسكرية، احتلت قوات عسكرية إريترية جزيرة حنيش الكبرى. وأسفر هذا العمل عن سقوط ثلاثة قتلى من أفراد الحامية العسكرية اليمنية، التي كانت مرابطة في الجزيرة. وقد صدر تصريح لمصدر يمني مسؤول يستنكر العدوان الإريتري، ويرى فيه انتهاكاً لسيادة الجمهورية اليمنية، على أراضيها ومياهها الإقليمية، كما يهدد العدوان، في الوقت نفسه، الملاحة الدولية في منطقة البحر الأحمر. ويشير المصدر إلى أنه سبق للسلطات الإريترية توجيه إنذار في 11 نوفمبر 1995م، إلى المواطنين اليمنيين، والحامية العسكرية المرابطة في جزيرة حنيش، بمغادرتها، وإيقاف العمل بإحدى الشركات، وهذا ما جعل الحكومة اليمنية تجري اتصالات على أعلى مستوى مع الحكومة الإريترية، بهدف احتواء الموقف. وذلك تأكيداً لحرص اليمن على علاقاتها مع إريتريا، ورغبتها الصادقة في حل أي خلافات حول الحدود البحرية مع إريتريا، عبر الحوار والتفاوض السلمي، وطبقاً للقوانين والمواثيق الدولية.
وعلى إثر ذلك عُقدت عدة اجتماعات في صنعاء وأسمرة، كان آخرها في إريتريا برئاسة نائب رئيس الوزراء، وزير الخارجية اليمني، ووزير الخارجية الإريتري. وأكدت اليمن مجدداً استعدادها للحوار، والتوقيع على مذكرة تفاهم مع إريتريا، تتضمن أسس التفاوض حول الحدود البحرية، على أساس التفاوض الثنائي. وفي حالة عدم التوصل إلى حل، فإنه يمكن اللجوء إلى التحكيم، أو محكمة العدل الدولية.
ولاشك أن احتلال إريتريا لجزيرة حنيش، واختيار توقيت محدد للعدوان، وضع حكومة اليمن في موقف حرج، إذ وجدت نفسها تحت ضغوط عديدة، منها ما عانته من ضغوط الشارع اليمني العام، الذي استشاط غضباً، وكاد يتميز غيظاً من جراء العدوان الإريتري على الجزيرة اليمنية، إذ لم يكن يدور بخلد أي مواطن يمني، أن يأتي الأعداء على اليمن من إريتريا.
والأمر الآخر، أن اليمن لم تلجأ إلى استخدام القوة فوراً لاستعادة الجزيرة، كما أُخذت بالقوة، وذلك تحت طائل المسؤولية، التي تفرضها المصالح الإقليمية، وتلبية لنداءات الأشقاء والأصدقاء لضبط النفس، والسعي لإنهاء العدوان بالحوار والطرق السلمية.
وتشير الشواهد، إلى أن التحرك الإريتري، هدف إلى الآتي:
1. منع جبهة حماس الإريترية الإسلامية، من استخدام هذه الجزر، ضد إريتريا، خاصة أن الجبهة الشعبية، لتحرير إريتريا، سبق أن استخدمت تلك الجزر، ضد إثيوبيا، في أثناء احتلال إثيوبيا للأراضي الإريترية.
2. الحصول على المزيد من الدعم، والمساعدات، من إسرائيل والولايات المتحدة الأمريكية، بإظهار أن إريتريا، قادرة على القيام بدور مهم في منطقة البحر الأحمر.
3. إحباط فكرة أن البحر الأحمر، بحيرة عربية، وهي الفكرة التي نادت بها دول عربية، في عام 1976م، خاصة بعد استقلال إريتريا، وعدم الإعلان عن هويتها العربية.
4. تبنت إريتريا إستراتيجية حرمان الطرف الآخر، من امتلاك السيطرة في المنطقة.
5. إظهار مكانة إريتريا الإقليمية، بصفتها دولة مستقلة، حديثة. 

ثانياً: الموقف اليمنى من النزاع:
يرى اليمن أن مجموعة جزر حنيش، كانت تحت الاحتلال البريطاني، باعتبارها جزراً تابعة لعدن، ومن ثم آلت إلى جمهورية اليمن، بعد الوحدة بين شطريها، الشمالي والجنوبي. وحدد اليمن موقفه من المشكلة كالآتي:
1. إعادة الوضع إلى ما كان عليه، قبل منتصف ديسمبر 1995م، وانسحاب القوات الإريترية.
2. تسليم الأسرى اليمنيين.
3. حل المشكلة عن طريق التفاوض، ورسم الحدود البحرية بين البلدين.
4. رفض أي مقترحات، تتناول الوجود اليمني، على باقي الجزر. 

ثالثاً: الموقف الإريتري
يرى الجانب الإريتري:
1. أن هذه الجزر، جزر بلا هوية، احتلها الأتراك، حتى ما قبل الحرب العالمية الأولى. وبعد هزيمة الأتراك، تنازعتها كل من بريطانيا وفرنسا، ثم ادعى الإيطاليون ملكيتهم لها في الثلاثينيات، بعد احتلال إيطاليا للحبشة، ثم أداروها بصفتها جزءاً من ميناء عصب.
2. أن الأمم المتحدة، أدارت الجزر، بعد هزيمة إيطاليا في الحرب العالمية الثانية، في الفترة من 1947م ـ 1958م، عندما صدر قرار الأمم المتحدة، ذو الرقم 390/أ/5، بالاتحاد الفيدرالي بين إريتريا وإثيوبيا، ومنذ ذلك التاريخ، ظلت الجزر مجالاً للنزاع بين اليمن وإثيوبيا، وأن الموضوع أثير في الأعوام 1965م، 1973م، 1982م.
3. أبدت إريتريا استعدادها للانسحاب، من جزيرة حنيش الكبرى، مقابل إنهاء الوجود العسكري، والمدني لليمن، في "أرخبيل حنيش"، وليس في جزيرة حنيش الكبرى فقط.
4. تشكيل لجنة محايدة، لمراقبة الأوضاع في الجزر، وتنفيذ ما تم الاتفاق عليه.
5. اللجوء إلى محكمة العدل الدولية، لحسم النزاع على الجزر، وليس لتحديد الحدود البحرية. 

رابعاً: الوساطة الإثيوبية
توسطت إثيوبيا بين اليمن وإريتريا، من خلال عدة جولات، قام بها رئيس الوزراء الإثيوبي، ووزير الخارجية. حيث تقدمت إثيوبيا بمبادرة يوم 28 ديسمبر 1995م، اشتملت على العناصر الآتية:
1. تحديد موضوع النزاع، هل هو أرخبيل حنيش كاملاً، والمكون من عشر جزر، أم جزيرة حنيش الكبرى فقط؟
2. نزع سلاح الجزر، محل النزاع، وإيفاد فريق من المراقبين، إليها للتأكد من عدم وجود قوات، لأي من الدولتين بها، والإبقاء على هذا الوضع، حتى الحُكم في النزاع.
3. موافقة الطرفين، على آلية التسوية، وهل تتم من خلال الحوار الثنائي، أم من خلال التحكيم، أم عرض النزاع أمام محكمة العدل الدولية؟
4. استعداد إريتريا للانسحاب، إذا ما تعهد اليمن، بعدم محاولة احتلال الجزر.
5. استعداد إريتريا لتسليم أسرى الحرب.
شكك اليمن في الموقف الإثيوبي، واعتبره منحازاً إلى إريتريا، وأن المقترحات التي أبدتها إثيوبيا، تتطابق مع وجهة النظر الإريترية، في انسحاب اليمن، من جميع الجزر، مقابل انسحاب إريتريا، من جزيرة حنيش الكبرى. 

خامساً: الوساطة المصرية
توسطت مصر بين الدولتين، وتولى مهمة الوساطة وزير الخارجية المصرية، الذي طرح مبادرة يوم 25 ديسمبر 1995م، اشتملت على الآتي:
1. انسحاب القوات الإريترية واليمنية، من جزيرة حنيش الكبرى.
2. إعادة الأسرى اليمنيين إلى اليمن.
3. اللجوء إلى التحكيم لحل المشكلة.
وقد سلمت إريتريا الأسرى تحت إشراف الصليب الأحمر، يوم 29 ديسمبر 1995م.

سادساً: الوساطة الفرنسية
عينت فرنسا مبعوثاً خاصاً، هو "المستر جوتمان"، للقيام بدور الوساطة بين الدولتين، بهدف حل المشكلة حلاً سلمياً. وتقدمت بمبادرة، اشتملت على النقاط الآتية:
1. عدم استخدام القوة، والقبول بالحل السلمي، وبقاء الإريتريين في جزيرة حنيش الكبرى، واليمنيين في جزيرة حنيش الصغرى وزقر.
2. أن يوكل لهيئة تحكيم مهمة إصدار أحكام، في شأن السيادة الإقليمية، وتعيين الحدود البحرية، في نطاق محدد، من جنوب البحر الأحمر بين البلدين.
3. الالتزام بقرار هيئة التحكيم.
4. تضع فرنسا ـ باتفاق الطرفين ـ ترتيبات التزام كل منهما، بعدم استخدام القوة، في النطاق محل النزاع.
5. إيداع اتفاق المبادئ، الذي وقع عليه الطرفان، لدى الأمين العام للأمم المتحدة، والأمين العام للجامعة العربية، وأمين عام منظمة الوحدة الأفريقية، وكذلك بالنسبة لاتفاق التحكيم وشروطه.
6. توقيع فرنسا، ومصر، وإثيوبيا، على الاتفاق بصفة شهود.
7. إذا لم يتوصل الطرفان، إلى اتفاق قبل 15 أكتوبر 1996م، فعليهما اللجوء، إلى رئيس محكمة العدل الدولية، ويُطلب منه، تكليف أحد حكام المحكمة، ليضع خلال مهلة ثلاثين يوماً، اتفاقاً ملزماً للطرفين، بإنشاء محكمة التحكيم.
وقع الطرفان، على الاتفاق في باريس في 21 مايو 1996م، وحضر مراسم التوقيع، وزراء خارجية كل من: مصر، وإثيوبيا، وفرنسا، شهوداً على الاتفاق.
وكل الطرفان في هذا الاتفاق، إلى حكومة فرنسا، تقديم مساهمتها، في إعداد الاتفاق، الذي ينشئ محكمة التحكيم (اُنظر ملحق نص اتفاق التحكيم بين اليمن وإريتريا، 21 مايو 1996). 

سابعاً: الدعم الخارجي لإريتريا
تشير قدرات إريتريا العسكرية، إلى عدم قدرتها، على تنفيذ عملية بحرية، للاستيلاء على الجزيرة، وقد ظهرت مؤشرات، على تلقي إريتريا دعماً خارجياً، حيث رصدت زيارة سرية قام بها الرئيس الإريتري، إلى إسرائيل، في نوفمبر 1995م، استجابت فيها إسرائيل إلى طلبات إريتريا، التي اشتملت على:
1. مجموعة من الخبراء، والمستشارين العسكريين الإسرائيليين، في مجال القوات البحرية والجوية.
2. إمداد إريتريا بالمعدات، والأسلحة الحديثة، وتضمنت ما يلي:
أ. ستة زوارق حاملة للصواريخ، من طراز "ريشيف"، قادرة على حمل طائرتين عموديتين، وتستخدم في مجال الإنزال البحري.
ب. ست طائرات هيلوكبتر، من طراز "بلاك هوك" و "دولفين".
ج. طائرة استطلاع بحري.
د. منظومة رادار بحري، ومجموعة صواريخ سطح ـ سطح، من طراز "جبراييل".
تم الاتفاق على هذه الصفقة، قبل مهاجمة إريتريا جزيرة حنيش، ولا تملك إريتريا، أسلحة مماثلة لتلك الأسلحة، ومن ثم، فليس لديها أطقم مدربة، ومعدة لاستخدامها في معركة حربية، لذا تشير المؤشرات، إلى مشاركة إسرائيل في إدارة العملية، واستخدام هذه الأسلحة. 

ثامناً: الوساطات الإقليمية والدولية لحل النزاع
1. الوساطة الإثيوبية:
بدأت أولى الوساطات من إثيوبيا، عندما قام رئيس الوزراء ميليس زيناوي، ووزير خارجيته، بعدة زيارات مكوكية بين صنعاء وأسمرة، في محاولة لحل النزاع اليمني الإريتري سلمياً. واشتمل المقترح الإثيوبي على نقاط، منها انسحاب إريتريا من جزيرة حنيش الكبرى، وانسحاب اليمن من جزيرتي حنيش الصغرى وزقر، في وقت متزامن. ثم تُرفع المشكلة إلى محكمة العدل الدولية للفصل في النزاع، على ضوء ما يُقدم من وثائق لدى الطرفين.
على أن تلك الوساطة، لم تكن تُلبي الحد الأدنى من المطالب اليمنية كما يبدو. كما أن الاقتراح الإثيوبي للانسحاب المتزامن، ينطوي ضمناً على ضرورة حضور قوة دولية، تُشرف على انسحاب الطرفين. وكل هذه التفاصيل تتفق تماماً مع المصالح الإريترية، التي تنادي بالتدويل، بينما يتعارض ذلك مع المصالح اليمنية. ولذلك وصلت الوساطة الإثيوبية، إلى طريق مسدود. 

2. الوساطة المصرية:
وفي إطار الوساطة المصرية، وصل إلى صنعاء، وزير شؤون الرئاسة المصرية، حاملاً رسالة من الرئيس المصري حسني مبارك، إلى الرئيس اليمني علي عبدالله صالح، تتعلق بالتطورات الجارية بين اليمن وإريتريا، في إطار المساعي الحميدة لمصر بهدف التوسط لإنهاء الخلاف سلمياً، وبما يعزز الأمن والاستقرار والسلام في المنطقة.
كما وصل وزير الخارجية المصرية، إلى صنعاء، وأجرى محادثات مع الرئيس علي عبدالله صالح، وسلّمه رسالة من الرئيس حسني مبارك، بشأن جهود الوساطة المصرية، في النزاع اليمني الإريتري.
قُبيل توجهه إلى أسمرة، أكد وزير الخارجية المصري، أن المنطلق القوي لموقف مصر، يحدده ويدعمه موقف الحكومة اليمنية، الذي يتجه إلى الحل السِّلمي عن طريق الحوار الفوري. وهذا يعني أن الموقف المصري، هو نفسه الموقف اليمني. وقد فسر مراقبون أن عدم تطرق الموقف المصري إلى السيادة اليمنية على جزيرة حنيش، أو اعتبار الأعمال العسكرية عدواناً، بأنه موقف متوازن، هدفه عدم قطع الطريق أمام مشاركة إريتريا في أي تحرك مقبل، يتعلق بعمل جماعي خاص بأمن البحر الأحمر. 

3. الوساطة الفرنسية
وفي سياق الوساطة الفرنسية، تسلم الرئيس اليمني، علي عبدالله صالح، رسالة من الرئيس الفرنسي، جاك شيراك، تطرقت إلى استعداد الحكومة الفرنسية القيام بدور الوساطة، لحل الخلافات الناشئة عن احتلال إريتريا جزيرة حنيش الكبرى. وقد رحبت اليمن بالوساطة الفرنسية، وقدم الرسالة سفير فرنسا في صنعاء، ثم وصل في وقت لاحق فرنسيس غوتمان، الوسيط الفرنسي لحل أزمة حنيش الكبرى، الذي عرض على طرفي النزاع اقتراحاً بتشكيل هيئة تحكيم من قاضيين، إضافة إلى رئيس للهيئة، يُعين باتفاق الطرفين، على أن الاقتراح لا يلزم أياً من الطرفين بتعيين قاض من مواطنيه، بل يترك لهما حرية اختياره من أي بلد. كما أن الوسيط لم يتطرق إلى جوهر النزاع، وقد حُددت صيغته بالاشتراك مع مصر وإثيوبيا.
صرّح الوسيط الفرنسي، فيما بعد، بأن اليمن وإريتريا وافقتا على المقترح الفرنسي الخاص بالتحكيم. وفي غضون ذلك بدأت لجنة حكومية يمنية برئاسة الدكتور عبدالكريم الإرياني، بناء على توجيهات القيادة اليمنية، في إعداد الملفات والوثائق والإثباتات، التي ستقدمها اليمن إلى محكمة التحكيم.

4. وساطة الأمم المتحدة
وفي إطار وساطة الأمم المتحدة، وصل الأمين العام، بطرس غالي، إلى صنعاء، في أواخر ديسمبر 1995م، وبعد ذلك زار أسمرة، في محاولة لاستشراف الموقفين اليمني والإريتري. والتقى بطرس غالي وزير الخارجية اليمني، حيث أكد استعداد الأمم المتحدة لبذل المساعي الحميدة، لحل الخلاف سلمياً، إذا رغب الطرفان، بما من شأنه تعزيز الأمن والسلام في منطقة البحر الأحمر. ومع ذلك لم يعلن بطرس غالي عن تقديم مقترحٍ محدد للوساطة. وكان يردد، غير مرة، استعداد الأمم المتحدة للوساطة، إذا ما رغب الطرفان. ويعني ذلك أنه يشترط طلب الطرفين المتنازعين مقدماً، تدخل المنظمة الدولية بالوساطة. 

تاسعاً: لجنة التحكيم
أصدرت اللجنة قرارها الخاص بالتحكيم في الأول من مايو 1996م. وفي 21 مايو 1996م في باريس وقّعت اليمن وإريتريا اتفاق المبادئ حول التحكيم، وتضمن عدة نقاط، أهمها: تَعَهّد الطرفان بعدم استخدام القوة لحل النزاع، والقبول بمبدأ التحكيم، وتنفيذ قرارات هيئة التحكيم دون تحفظ. والقبول بتشكيل هيئة مراقبة لتنفيذ قرارات لجنة التحكيم.
ووفقاً للمذكرة المقدمة إلى لجنة التحكيم، يعتمد الادعاء الإريتري بالسّيادة على جزر حنيش، على أن هذه الجزر كانت خاضعة للاستعمار البريطاني، وعلى قرار نائب الملك في الحبشة، الرقم (1446) الصادر في 20 ديسمبر 1938م، الذي عدّل الحدود الجنوبية بين إقليم المنخفضات الغربية "مصوع" ودنكاليا "عصب". وأشار إلى أن مجموعة جزر حنيش ـ زقر، باقية، بصفتها جزءاً من إقليم دنكاليا وأوسا عصب.
أما الادعاء اليمني، فيقول عنه السفير مروان نعمان، رئيس دائرة أفريقيا السّابق في وزارة الخارجية اليمنية، وسفير اليمن لدى إثيوبيا، إن الجزر لم تكن خاضعة للسيادة الإيطالية، وإنما كان لإيطاليا فيها وجود إداري، أسوة بالوجود البريطاني والوجود الهولندي. وهو وجود لا يسقط حق اليمن في السيادة على جزرها. ويضيف أن ذلك الوجود القصير انتهى، بضرب الوجود البريطاني في تلك الجزر وإقصائه منها، بل ومن مجمل إقليم إريتريا، الذي خضع للإدارة العسكرية البريطانية منذ 1941م، خلال الحرب العالمية الثانية، وبتوقيع إيطاليا اتفاقية السلام في 10 فبراير 1941م، وتخليها عن مستعمراتها في شرق أفريقيا، بما فيها مستعمرة إريتريا. كما تنازلت إيطاليا، بموجب الاتفاقية تلك، عن أي حقوق لها ترتبت بموجب المادة 16 من اتفاقية لوزان. وقد استمر هذا الوضع إلى أن أدمجت إريتريا فيدرالياً في إمبراطورية الحبشة عام 1952م، وبمقتضى هذه الاتفاقية لم يبق لإيطاليا أي ارتباطات، أياً كانت بالجزر اليمنية.
ومما يؤكد انتهاء المصالح والوجود البريطاني، كما أقرته الاتفاقية الأنجلو إيطالية، "اتفاقية باسكوا"، بالاستناد إلى نصوص المادة 16 من اتفاقية لوزان.
وبعد خروج بريطانيا من المنطقة نهائياً، في أعقاب جلائها عن مصر، واستقلال الشطر الجنوبي من اليمن، فإن اليمن الموحد يُصبح الطرف المعني الوحيد، ممن عنتهم اتفاقية لوزان في مادتها 16، وأكبر دليل على ذلك أن هيئة المنتفعين من إدارة فنارات البحر الأحمر، عندما انتهت اتفاقية 1962م، لم تدع أي طرف في المنطقة لإدارة الفنارات، سوى اليمن، لتتولى إدارة الفنارات على جزرها في البحر الأحمر، بعد فترات من المغالطات، التي استندت على إقصاء اليمن من أن تكون من الأطراف التي قصدتها لوزان عام 1924م .
ويقول اليمن إنه استناداً إلى القيمة الاستدلالية للخرائط، باعتبار أن الألوان في الخرائط هي أقوى الأدلة قبولاً في التدليل على الملكية والسيادة، تؤكد الأغلبية الساحقة من الخرائط، التي عرضت لجزر البحر الأحمر، واستخدمت الألوان في التدليل على الملكية، أن جزر زقر وحنيش الكبرى والصغرى تابعة لليمن، أو الساحل العربي للبحر الأحمر.
وتُظهر إحدى الخرائط، التي صدرت عام 1926م، جزر جبل الطير، وسنتربيك، وأبو علي، وحنيش الكبرى، وبريم، بأنها تحت السيطرة البريطانية، بينما تُظهر خريطة سوفيتية عام 1984م، جزر حنيش الكبرى والصغرى، وزقر تابعة لليمن الجنوبي، بينما تظهر خريطة أخرى هذه الجزر، الواقعة قبالة الساحل اليمني، كلها تابعة لليمن، أو متصلة بشبه جزيرة العرب.
كما توجد بعض الخرائط بالغة الأهمية، والتي تنص صراحة على "يمنية" هذه الجزر، مثل الخريطة الصادرة عام 1991م، عن وكالة الولايات المتحدة الأمريكية للمساحة الدفاعية، والمسماة "البحر الأحمر، الجزء الجنوبي"، وتدل على جعل "اليمن" بين قوسين تحت جزر حنيش، للتدليل على مجمل الأرخبيل". وتذكر خريطة أخرى صادرة عام 1984م، عن وكالة الاستخبارات الأمريكية باسم "اليمنيين"، للتدليل على شطري اليمن سابقاً، تذكر بالنص عبارة YAR بين قوسين تحت جزر زقر، وحنيش الكبرى.
كما تُشير خريطة أخرى صادرة عن وكالة الاستخبارات الأمريكية عام 1979م، المسماة "اليمن ـ عدن" بالنص على عبارة YEMENS للتدليل على اليمن ـ صنعاء، تحت الجزيرتين نفسيهما. كما تذكر الموسوعة الإيطالية للسنوات الثلاثين الأولى من إصداراتها، أن هذه الجزر "ملكية بريطانية"، وذلك بعد هزيمة إيطاليا في الحرب العالمية الثانية، وتوقيعها اتفاقية السلام مع الحلفاء في 10 فبراير 1947م، التي تخلت بموجبها عن مستعمراتها، ومنها إريتريا، التي كانت قد خضعت للإدارة البريطانية العسكرية منذ عام 1941م، أثناء الحرب العالمية الثانية. والأهم من ذلك خرائط إريتريا، كما أعلنتها عقب استقلالها، فضلاً عن تلك التي كانت قد أصدرتها جميع فصائل الثورة الإريترية تؤكد تلوين مجموعة جزر حنيش بلون البر اليمني. وقد عمدت الحكومة الإريترية، بعد نشوب النزاع إلى إصدار طبعة جديدة في نوفمبر 1995م، ولونت فيها جزر حنيش بلون البر الإريتري. 

عاشراً: استعادة حنيش الكبرى لليمن، عقب صدور قرار التحكيم
في الأول من نوفمبر 1998م، تسلمت الحكومة اليمنية رسمياً، جزيرة حنيش الكبرى، بعد أن احتلتها إريتريا قبل حوالي ثلاث سنوات، إثر اشتباكات محدودة بين قوات البلدين. ورفع اليمن علمه على الجزيرة، في الساعة الثانية والنصف من بعد ظهر 31 أكتوبر 1998م، في حفل عسكري وسياسي، شارك فيه كبار ضباط الجيش اليمني، فضلاً عن مشاركة إريترية تمثلت في حضور قائد القوات البحرية الإريترية، الرائد أحمد علي، ورئيس التليفزيون الإريتري. كما ألقى وزير الدفاع اليمني كلمة بهذه المناسبة، مخاطباً أفراد وضباط القوات المسلحة والأصدقاء من إريتريا، معرباً عن سعادته برفع العلم اليمني على جزيرة حنيش الكبرى، وشعوره "بالفخر في هذه اللحظة التاريخية". وقال إن هذه اللحظة ستظل محفورة في الوجدان والذاكرة اليمنية، باعتبارها التجسيد الأمثل لانتصار الحكمة والعقل وإرادة السلام.
وقال وزير الدفاع اليمني، إنه بفضل الحنكة السياسية والصبر، وسعة الأفق، للقيادة السياسية في اليمن، في التعامل مع تلك التطورات، التي حدثت في ديسمبر 1995م، والتواصل المستمر مع القيادة الإريترية، من أجل احتواء تلك التطورات، أمكن الوصول إلى هذه النتيجة العادلة والمرضية، التي جنبت الشعبين الجارين، اليمني والإريتري، مخاطر الانزلاق إلى كارثة الحرب، وإراقة الدماء، وتبديد إمكانات وطاقات البلدين في حرب، لن تخلف سوى الخراب والدمار، وعدم الاستقرار، وهو ما كان سيؤدي إلى تهديدات للأمن والاستقرار، في هذه المنطقة الحساسة من العالم، ويعرّض الملاحة الدولية في جنوب البحر الأحمر للخطر. وقال وزير الدفاع اليمني: "لقد كان من المنطقي في نهاية المطاف، أن يلجأ البلدان إلى طاولة المفاوضات والحوار، من أجل التوصل إلى حل النزاع، وقبول الخيار السلمي. واللجوء إلى التحكيم الدولي، هو الخطوة الصحيحة والصائبة، التي تمثل اليوم نموذجاً حضارياً رائعاً، يستحق الاقتداء به في حل المشاكل والخلافات الحدودية بين الأشقاء والجيران".
من جهته قال قائد البحرية الإريترية: "إن علاقات بلاده مع اليمن تتطور، بعد أن حُلت المشكلة، التي كانت موضعاً للنزاع في هذا الأرخبيل". وكان المسؤول العسكري الإريتري يتحدث بعد وصول القوات اليمنية إلى الجزيرة، ويصل عددها إلى حوالي 3000 جندي، من القوات البرية والبحرية.
وتزامن تسليم الجزيرة من قبل قائد القوات البحرية الإريترية، إلى وزير الدفاع اليمني، مع تدفق قوارب القوات البحرية اليمنية على الجزيرة، بعد أن أكملت القوات الإريترية، التي يقدر عددها بلواء مدعم من الدبابات والصواريخ والمدفعية والزوارق البحرية الحديثة، انسحابها منها.
وكان انسحاب إريتريا من حنيش الكبرى، قد صدر بموجب قرار محكمة التحكيم، في 9 من أكتوبر 1998م، ونفّذ بعد 23 يوماً من صدوره، علماً بأنه أعطى لإريتريا مهلة 90 يوماً للانسحاب. 

حادي عشر: جزيرة حنيش بعد التحكيم الثاني، الخاص بترسيم الحدود البحرية
صرّح مسؤول يمني أن المرحلة الثانية من التحكيم، والمتعلقة بترسيم الحدود البحرية مع إريتريا في البحر الحمر، التي صدرت في 17 ديسمبر 1999م، قد عينت الحدود البحرية بين البلدين، بخط حدودي بحري واحد، مستنداً على نقاط الأساس على الشاطئين الشرقي للجمهورية اليمنية، والغربي لإريتريا، فضلاً عن مجموعة الجزر القريبة من الشاطئ، مثل جزيرة كمران وما حولها من الجزر على الساحل اليمني، ومجموعة جزر دهلك على الساحل الإريتري.
وقالت اللجنة الوطنية اليمنية للتحكيم، التي رأسها رئيس الوزراء عبدالكريم الإرياني، إنّ قرار محكمة التحكيم، أعطى الجزر اليمنية، الواقعة في وسط البحر الأحمر، حقها الكامل من البحر الإقليمي، حسب نص "المادة 15" من اتفاقية الأمم المتحدة لقانون البحار لعام 1982م. وأما الجزر المتقابلة للدولتين، حيث تقل المسافة البحرية بينهما عن 24 ميلاً بحرياً، فقد قسّمت هيئة التحكيم تلك المسافة بين الدوليتين مناصفة.
وبشأن حقوق الاصطياد البحري، تطرّق الحكم إلى توضيح حقوق الاصطياد التقليدي، الواردة في منطوق حكم المرحلة الأولى، الصادر في 9 أكتوبر 1998، حول تحديد منطقة النزاع في الجزر، التي كانت محط نزاع بين الدولتين، وهي جزر حنيش. وقد عرّفت المواد في الحكم السابق الاصطياد، بأنه الذي يتم "بالقوارب الصغيرة، والطرق والمعدات التقليدية"، وأن ذلك لا يشمل الاصطياد التجاري أو الصناعي، كما لا يشمل الاصطياد من قبل مواطني أي دولة عدا مواطني اليمن وإريتريا. كما نصّت المواد 103، 109، 110 من الحكم، أنّ حق الاصطياد التقليدي مكفول لمواطني الدولتين، اليمن وإريتريا على حد سواء، في أي موقع من البحر من سواحل البلدين، وأن من حقهم تسويق منتجاتهم في الموانئ الإريترية واليمنية، دون تمييز ومضايقة. كما يحق للصيادين التقليديين اليمنيين والإريتريين، اللجوء المؤقت إلى الجزر، وإجراء الإصلاحات الطارئة لقواربهم، أو تجفيف أسماكهم. وفي هذا السياق نصت "المادة 68" من حكم المرحلة الثانية، على أن الأدلة المقدمة لهيئة التحكيم أكدت بقاء الاصطياد التقليدي في المنطقة بشكل عام، حيث أكدت الأدلة المقدمة إلى المحكمة، أن الصيادين اليمنيين، ظلوا يصطادون على مدى سنين طويلة في مياه جزر دهلك الإريترية شمالاً، وجزر المحبكة وهيكوكس وسوث ويست روكس غرباً، وهو ما يعني أنه يحق للصيادين اليمنيين الاصطياد والتجفيف واللجوء المؤقت لإصلاح القوارب، في هذه الجزر الإريترية..
كما أقرت المحكمة الخاصة بالتحكيم، أن من واجب اليمن وإريتريا إخطار كل منهما الأخرى بأي إجراءات تنوي كل دولة اتخاذها، ومن الممكن أن تؤثر على حقوق الصيادين في الاصطياد التقليدي في عموم المنطقة. فلا يجوز لأي من الطرفين إصدار أي تشريعات أو أوامر تقيّد من حقوق الصيادين التقليدية، في الاصطياد التقليدي المنصوص عليه في هذا الحكم.
وقد كان رد الفعل الإريتري إيجابياً، فأعرب هيلي ولد تينسائي، وزير خارجية إريتريا، عن تقدير حكومته العميق للحكومة اليمنية، بسبب التزامها بقرار محكمة التحكيم الدولية، حول ترسيم الحدود البحرية بين البلدين، الصادر في 17 ديسمبر 1999م. وقال في لقاء مع البعثات الدبلوماسية الأجنبية في أسمرة: "إن الحكومة الإريترية ملتزمة بقبول وتنفيذ قرار محكمة التحكيم فوراً". وقال إن لجوء اليمن وإريتريا إلى التحكيم الدولي، والتزامهما به، أظهر احترامهما لمبادئ وقواعد القانون الدولي، وحسن السلوك في التعاملات الدولية.
كما قال إن التزام البلدين بتسوية سلمية لنزاعهما، لن يفتح الطريق فقط أمام تقوية علاقات البلدين، ولكن يفتح الباب أيضاً أمام خلق منطقة سلام، وتبادل منافع.
وشكر الوزير الحكومتين البريطانية والفرنسية وأعضاء محكمة التحكيم الدولية على جهودهم في الوصول إلى حل لنزاع الحدود البحرية اليمنية ـ الإريترية.
ثاني عشر: حنيش تعيد التوتر بين اليمن وإريتريا من جديد
في 9 مارس 2000م نفت إريتريا رسمياً، تقديم أي التماس حول الحكم الصادر في قضية جزر حنيش. وكان رئيس مجلس النواب اليمني، الشيخ عبدالله الأحمر، قد اتهم أسمرة بتقديم التماس لمحكمة التحكيم الدولية، لإعادة النظر في الحكم الصادر في قضية جزر حنيش.
وعلق مصدر مسؤول بوزارة الخارجية الإريترية: "أن هذه الادعاءات الغريبة غير صحيحة ومثيرة للدهشة". وأن عملية التحكيم كانت على مرحلتين، حيث صدر الحكم في المرحلة الأولى حول السيادة على الجزر. وعلى الرغم من أن إريتريا لم تكن راضية عنه، فقد التزمت بقرار محكمة التحكيم، وسلّمت الجزيرة لليمن، في فترة لم تتجاوز ثلاثة أسابيع، علماً أن الحكم كان يقضي بتسليمها خلال ثلاثة أشهر. وقال "إن المرحلة الثانية من عملية التحكيم كانت خاصة بالحدود البحرية، وكان الحكم الصادر بهذا الخصوص في مضمونه لصالح إريتريا، التي قابلته بالرضى والارتياح والتزمت به".
وقال المصدر الإريتري: "وبما أن الطرفين ارتضيا بالتحكيم والالتزام به، فنحن واثقون من أن الحكومة اليمنية ملتزمة بالحكم الصادر حول الحدود البحرية تماماً، كما التزمت بالحكم الصادر حول السيادة على الجزر". ووصف المصدر تصريحات رئيس مجلس النواب اليمني بأنها: "ادعاءات بعيدة عن الواقع، وعن المواقف الرسمية للحكومة اليمنية".


ملحق
نص اتفاق التحكيم بين اليمن وإريتريا
21/5/1996م

إن حكومة دولة إريتريا وحكومة الجمهورية اليمنية؛ رغبة منهما في إعادة علاقاتهما السلمية بروح الصداقة المألوفة بين شعبيهما؛ وشعوراً منهما بمسؤوليتهما، إزاء المجتمع الدولي، فيما يخص حفظ السلام والأمن الدوليين؛ وكذلك المحافظة على حرية الملاحة، في منطقة حساسة جداً في العالم؛ وإذ تذكران بمبادرات وجهود الجمهورية الفيدرالية الديموقراطية الإثيوبية وجمهورية مصر العربية؛ وإذ تذكران بمبادرات الأمين العام للأمم المتحدة الهادفة إلى حث فرنسا على تقديم مساعدتها في عملية التسوية للنزاع القائم بين إريتريا واليمن؛ وإذ تذكران برد فرنسا الإيجابي على الطلب الذي تقدمت به إريتريا واليمن، لمثل المساهمة؛ وكذلك بسلسلة المشاورات، التي أجرتها فرنسا فيما بعد لدى كل من إريتريا واليمن؛ اتفقتا على ما يلي: 

أولاً: الأحكام الأساسية

المادة الأولى
1. يتخلى الطرفان عن اللجوء إلى القوة ضد بعضهما البعض، ويقرران الوصول إلى تسوية سلمية لنزاعهما حول المسائل، التي تخص السيادة الإقليمية، ورسم الحدود البحرية.
2. يقرر الطرفان إنشاء محكمة تحكيم (المسماة أدناه "المحكمة")، طبقاً لأحكام هذا الاتفاق، وطبقاً لاتفاق التحكيم، الذي سوف يتفقان عليه بموجب أحكام هذا الاتفاق.
3. يطلب الطرفان من المحكمة أن تصدر حكماً طبقاً للقانون الدولي، وعلى مرحلتين:
أ. في المرحلة الأولى حول تحديد مجال النزاع بين إريتريا واليمن، على أساس موقف كل من الطرفين.
ب. في المرحلة الثانية وبعد الفصل في النقطة المذكورة في الفقرة "1" أعلاه.
(1). حول مسائل تخص السيادة الإقليمية.
(2). حول مسائل رسم الحدود البحرية.
ج. يلتزم الطرفان باحترام قوانين المحكمة.
د. يمتنع كل من الطرفين عن أي نشاط أو تحرك عسكري ضد الطرف الآخر، ويظل هذا التعهد ساري المفعول حتى تنفيذ القرار النهائي لمحكمة التحكيم. 

ثانيا: التحكيم

المادة الثانية
تتألف محكمة التحكيم من خمسة حكام، يختار كل من الطرفين حَكَمين ويختار الخامس الحكام الأربعة الذين اختارهم الطرفان، وإذا لم يتوصل الحكام الأربعة إلى اتفاق، فسيتم اختيار الحكم الخامس من قبل رئيس محكمة العدل الدولية. 

المادة الثالثة
1. تفصل المحكمة في مسائل السيادة الإقليمية، ورسم الحدود البحرية بين الطرفين طبقاً للأحكام الواردة في المادة الأولى من هذا الاتفاق.
2. فيما يتعلق بمسائل السيادة الإقليمية، فإن المحكمة تبت؛ طبقاً لمبادئ وقواعد وممارسات القانون الدولي القابلة للتطبيق في هذا الميدان، وكذلك، بنوع خاص، على أساس الحجج التاريخية.
3. فيما يتعلق برسم الحدود البحرية، تفصل المحكمة، مع الأخذ في الاعتبار الرأي الذي تكون قد بنته حول مسائل السيادة الإقليمية، وكذلك معاهدة الأمم المتحدة حول قانون البحار، وكل العوامل ذات الصلة بالموضوع.
4. يحق للمحكمة استشارة الخبراء الذين تراهم.

المادة الرابعة
1. يجتمع ممثلو الطرفين في باريس في أقرب فرصة ممكنة؛ من أجل صياغة الاتفاق المنشئ لمحكمة التحكيم. يحدد هذا الاتفاق، وكالة المحكمة، وكذلك وبصورة خاصة أساليب عملها، وقواعد إجراءاتها.
2. إن لم يتوصل الطرفان إلى اتفاق قبل تاريخ 15 أكتوبر 1996م، فعليهما اللجوء إلى رئيس محكمة العدل الدولية، ويطلب منه تكليف واحد من حكام تلك المحكمة ليقوم خلال مهلة ثلاثين يوماً بإعداد اتفاق ملزم للطرفين بإنشاء محكمة التحكيم.

ثالثا: مساهمة فرنسا

المادة الخامسة
يوكل الطرفان إلى حكومة الجمهورية الفرنسية مسألة:
1. تقدم مساهمتها في إعداد الاتفاق الذي ينشئ محكمة التحكيم، وبنوع خاص اقتراح أول اجتماع من الاجتماعات المنصوص عليها في المادة الرابعة الفقرة الرقم "1" أعلاه.
2. ومن أجل تسهيل تطبيق المادة الأولى الفقرة الرقم "2" من هذا الاتفاق، مراقبة أي شكل من أشكال النشاط، أو التحرك العسكري طبقاً للترتيبات الفنية، التي يجب على فرنسا والطرفين أن تتفق عليها في أسرع وقت ممكن، وفي أي حال من الأحوال، قبل إعداد الاتفاق الذي ينشئ محكمة التحكيم.
3. أن الترتيبات المذكورة أعلاه، والرامية إلى إعداد آلية مراقبة مقترحات فرنسا واضعة نصب عينيها وإعطاءها الفعالية المطلوبة، يهدف إلى تجنب التوتر.
4. توضع الترتيبات في مجال المراقبة وطرقها، وبنوع خاص، ممارسة فرنسا لحرية التحليق والملاحة وكل التسهيلات الأخرى متى اقتضت الحاجة.

رابعا: الأحكام النهائية

المادة السادسة
لا يوجد في هذه الاتفاقية، وخصوصاً في الأحكام المنصوص عليها في المادة الأولى أعلاه، ما يمكن تفسيره على أنه يمس بالمواقف القانونية، أو بحقوق أي من الطرفين فيما يتعلق بالقضايا المرفوعة أمام المحكمة، ولا ما يمكن أن يمس أو يؤثر على القرارات الصادرة من محكمة التحكيم، أو على الاعتبارات والأسباب التي تعلل القرار المذكور.
المادة السابعة
أصبح هذا الاتفاق ساري المفعول من حين التوقيع عليه من قبل حكومة دولة إريتريا وحكومة الجمهورية اليمنية.
المادة الثامنة
1. يصادق على هذا الاتفاق بصفة شهود كل من حكومة الجمهورية الفرنسية، وحكومة جمهورية إثيوبيا الفيدرالية الديموقراطية، وكذلك حكومة جمهورية مصر العربية.
2. وفي فعلها هذا تصرح حكومة الجمهورية الفرنسية، بالإضافة إلى ذلك، بأنه على أساس التزامات الطرفين الواردة في هذا الاتفاق، فهي تقبل المهام المذكورة في المادة الخامسة من هذا الاتفاق.
المادة التاسعة
1. توضع نسخة من هذا الاتفاق لدى الأمين العام للأمم المتحدة، الذي يطلع مجلس الأمن عليه، ولدى الأمين العام لمنظمة الوحدة الأفريقية، وكذلك الأمين العام لجامعة الدول العربية.
2. يوضع الاتفاق المنشئ لمحكمة التحكيم، وكذا قرار التحكيم بنفس الشروط المنصوص عليها بالنسبة إلى هذا الاتفاق في الفقرة الأولى من هذه المادة.
3. حرر هذا الاتفاق بنسختين أصليتين باللغات الإنجليزية والعربية والفرنسية، على أن يكون النص الإنجليزي قوة الحجية والإثبات. لذلك، فقد وقع على هذا الاتفاق المفوضون المطلقو الصلاحية المخولون لهذا الغرض.


Neuere Ältere