رؤية إسرائيلية مغايرة للهجمات على سوريا | المكتبة الدبلوماسية

رؤية إسرائيلية مغايرة للهجمات على سوريا

تفاقمت الأزمة السورية، وتزايدت خسائرها البشرية والمادية، واحتدم الصراع الأهلي فيها، في ظل بيئة دولية لا تتبني فواعلها رؤية موحدة في تحديد المسارات السلمية لإنهاء الصراع الدائر ما بين نظام الأسد وقوى المعارضة، وإنما تتباين مصالحهم، ومن ثم سياساتهم تجاهه، وهو ما يؤدي بدوره لتعقيد الأوضاع وصعوبة التنبؤ بمآلاتها.
وبعد أن كانت إسرائيل تؤكد التزامها الحياد، وعدم رغبتها في التدخل في الصراع السوري، جاءت الهجمات الإسرائيلية على المواقع العسكرية السورية في مايو 2013 لتبرز علامات استفهام حول الإستراتيجية الإسرائيلية تجاه سوريا وموقفها من نظام الأسد، وما إذا كان الحياد الإسرائيلي المزمع قد تحول إلى تدخل يهدف إلى تغيير قواعد اللعبة في سوريا أم لا.
منذ بداية العام وحتى الآن، تعرضت سوريا لثلاث هجمات إسرائيلية، لم تعترف إسرائيل رسميا بأي منها، في حين رأى النظام السوري أنها تعكس تحالفا ما بين إسرائيل و"الإرهابيين" داخل سوريا لإضعاف النظام وزعزعة الاستقرار.
وعلى نقيض الأطروحات التي رأت أن هذه الهجمات تعكس رغبة إسرائيل في أن تلعب دورا محوريا في تحديد السيناريوهات المستقبلية للأزمة السورية، قدم إفرايم هيلفي، الرئيس الأسبق للموساد ومجلس الأمن القومي الإسرائيلي، رؤية مغايرة في مقاله بعنوان "رجل إسرائيل في دمشق" المنشور على موقع مجلة الشئون الخارجية Foreign Affairs.
في هذا المقال، افترض هيلفي أن الرئيس السوري "بشار الأسد" هو رجل إسرائيل في سوريا، وقام بتحليل الدوافع الإسرائيلية وراء هذه الهجمات لإثبات أنها لم تستهدف إسقاط بشار الأسد، وأنها لا تعكس تحولا عن استراتيجية الحياد الإسرائيلي حيال الأزمة في سوريا، وأن سقوط النظام السوري لن يكون في مصلحة إسرائيل كما يفترض البعض.

العلاقة ما بين إسرائيل ونظام الأسد رأى هيلفي أن السلام مع سوريا دائما ما كان على قمة أولويات السياسة الخارجية الإسرائيلية، ومثل محورا للعلاقة ما بين البلدين في عهد كل من الرئيسين "حافظ الأسد" و"بشار الأسد". إذ بدأت المساعي الإسرائيلية لتحقيق السلام مع سوريا، منذ أن كان "إسحاق رابين" رئيسا للوزراء. واستطاع "رابين" أن يصل إلى تفاهم مع حافظ الأسد حول تحقيق السلام، ولكنه تعرض للقتل، قبل أن توقع اتفاقية سلام ما بين البلدين. وتلت ذلك محاولات متكررة في عهد "بشار الأسد" قام بها كل من "إيهود باراك"، و"إيهود أولمرت"، و"بنيامين نتنياهو".
هذه المساعي المتكررة لتحقيق السلام مع سوريا في عهد "بشار الأسد"، وتاريخ العلاقة ما بين البلدين، يقدمان معطيات لتحليل وفهم الاستراتيجية الإسرائيلية الحالية تجاه الأزمة السورية. فتحقيق السلام مع سوريا، وأمن الحدود كهدف استراتيجي لإسرائيل، لم يتغيرا حتى مع تفاقم الصراع في سوريا وما تشهده من حرب أهلية. فمنذ اشتعال الصراع، لم تبد إسرائيل أي نية للتدخل، ولم تقدم أي دعم لطرف دون الآخر، ولم تكن الهجمة الإسرائيلية في مايو تستهدف تحقيق ذلك.
وعليه، يرى هيلفي أنه ليس من مصلحة إسرائيل التعجيل بسقوط الأسد الذي لعب دورا محوريا، هو ووالده، في الحفاظ على أمن الحدود لمدة 40 عاما. فعلى الرغم من عدم وجود اتفاقية سلام بين البلدين، فإن حافظ وبشار الأسد قد ساعدا إسرائيل على تطبيق اتفاقية فصل القوات في عام 1974 والتي قضت بوقف إطلاق النار في الجولان، والحفاظ على أمن الحدود. وحتى في ظل المواجهات بين القوات الإسرائيلية والسورية إبان الحرب الأهلية اللبنانية، ظلت الحدود هادئة، ولم تشهد أي مواجهات بين الطرفين.

المعضلة السورية والاستراتيجية الإسرائيلية
يرى هيلفي أن الأزمة السورية الحالية بكافة جوانبها وأبعادها ومآلاتها المحتملة لا تأتي في مصلحة الدولة الإسرائيلية. فدعم المعارضة ليس خيارا أمثل لإسرائيل نتيجة لصلة بعض قوى المعارضة بتنظيم القاعدة والجهاديين، وهو ما يتعارض مع المصلحة الإسرائيلية، ويهدد الأمن الإسرائيلي. ومن جهة أخرى، القوات النظامية السورية، حتى وإن كانت لم تزل تحت قيادة بشار الأسد، فإنها تعتمد بشكل كبير على دعم كل من إيران وحزب الله.
وتعد إيران، ومن وجهة نظر الكاتب، هي الدولة الأكثر تدخلا في سوريا وتأثيرا في مسار الصراع بها، وذلك من خلال دعمها المباشر للنظام السوري. كما أن إيران لم تكتف فقط بدعم الأسد، وإنما هي أيضا تضغط عليه لتحقيق مصالحها للسماح بنقل الأسلحة الاستراتيجية إلى جنوب لبنان من خلال الأراضي السورية. ولقد جاءت زيارة وزير الخارجية الإيراني، علي صالحى، أخيرا لدمشق لتأكيد هذا الدعم، إذ قال صراحة إن إيران لن تسمح بسقوط بشار مهما تكن الظروف.
ومن ثم، يتضح مما سبق أن سيناريوهات المستقبل لا تحمل في طياتها ما يخدم المصلحة الإسرائيلية. فسوريا ما بعد بشار الأسد إما أن تكون تحت سيطرة القاعدة، أو أن تكون موالية لإيران. وفي الحالتين، سيؤثر ذلك سلبا في المصالح الإسرائيلية في المنطقة، فضلا عن أن استمرار الصراع الدائر حاليا يهدد ليس فقط الأمن الإسرائيلي، وإنما أمن المنطقة بأكملها، ومن شأنه أن يزعزع الاستقرار في لبنان والأردن والعراق. كما أنه كلما طال أمد الأزمة السورية، زادت احتمالات فقدان بشار القدرة على السيطرة على الأوضاع، ودفعه للجوء إلى استخدام الأسلحة الكيميائية.
وبالنظر إلى هذه الاحتمالات، والتي تؤثر جميعها سلبا في المصالح الإسرائيلية، آثرت إسرائيل التزام الحياد تجاه الحرب الأهلية السورية. فالقيادة الإسرائيلية لا ترغب في أن تكون هي المحددة لمصير بشار الأسد، أو أن تتدخل مباشرة في الصراع. فمن جهة، لا تريد إسرائيل أن تدفع النظام السوري لاستخدام مخزونه من الصواريخ ضدها، ومن جهة أخرى لا تريد أن تهمش العلويين الموجودين على حدودها، بغض النظر عما ستئول إليه الأوضاع في سوريا.

تحليل الهجمة الإسرائيلية على سوريا
فسر هيلفي الهجمات الإسرائيلية الأخيرة على سوريا بمجموعة المعلومات التي توافرت لدى جهاز المخابرات الإسرائيلية حول أسلحة استراتيجية يتم نقلها من سوريا إلى حزب الله. ورأى أن الهجمات استهدفت تدمير هذه الأسلحة فقط، ولم تكن هادفة لإضعاف النظام السوري، أو إظهار عدم قدرته على الحفاظ على الأمن. وعلى الرغم من أن إسرائيل لم تعلن رسميا مسئوليتها عن هذه الهجمات، ورفضت التعليق على التقارير السورية التي تؤكد مسئوليتها عن الحادث، فإن وزير الدفاع الإسرائيلي قد أكد أن الاستراتيجية الإسرائيلية تقوم بالأساس على منع انتقال أي أسلحة استراتيجية إلى لبنان عبر الأراضي السورية.
ولذا، سعت إسرائيل بعد شن هذه الهجمات أن تؤكد لنظام الأسد بكافة الطرق العلنية والسرية أنها لا تزال تلتزم الحياد تجاه الوضع في سوريا، وأن هذه الهجمات لم تستهدف إسقاط النظام السوري أو مواجهته. كما أن هناك عدة دلائل على تفهم النظام السوري لذلك، إذ اقتصر الموقف السوري الرسمي على الاحتجاج، مع تقديم الحكومة لوعود غامضة للانتقام في الوقت المناسب، وبالطريقة التي تراها ملائمة دون تحديد الكيفية.
أولويات السياسة الخارجية الإسرائيلية
أكد الكاتب أيضا استمرار الحياد الإسرائيلي تجاه سوريا بتحليل أولويات السياسة الخارجية الإسرائيلية في الفترة الراهنة. فعلى الرغم من تفاقم الأوضاع السورية وما ترتبه من تداعيات تؤثر سلبا في الأمن الإسرائيلي والمصالح الإسرائيلية، فإن إسرائيل لا تزال تنظر إلى إيران ورغبتها في امتلاك سلاح نووي على أنه الخطر الأكبر الذي يتعين عليها مواجهته. فإسرائيل ستحسم قراراها في التعامل مع الملف النووي الإيراني في منتصف هذا العام.ولذا، تسعى إسرائيل إلى تركيز كافة جهودها ومواردها في التعامل مع هذا الملف، وإن جاء ذلك على حساب الملف السوري.
ومن ثم، رأى الكاتب أن إسرائيل لن تقوم بأي جهود لمساندة الأسد، لأنها، وكأغلب دول العالم، باتت تدرك أن سقوط الأسد سيتحقق لا محالة، وأنه سيضطر إلى أن يترك السلطة إن آجلا أو عاجلا. فالملف السوري لا يحتل المرتبة الأولي في قائمة أولويات القيادة الإسرائيلية، ومن ثم لن تضطلع  بالقيام بأي دور في تحديد من سيخلف بشار الأسد، أو أن تقدم بديلا له، فذلك لن يحقق مصالحها، وليس بمقدورها القيام به. فإسرائيل ستترك مهمة ترسيم المستقبل السوري، والتعامل مع الحرب الأهلية السورية للدول الأخرى، وهو ما دفع إسرائيل إلى الترحيب بالمبادرة الروسية - الأمريكية لتنظيم مؤتمر سلام يهدف إلى طرح مسارات سلمية لحل الأزمة السورية.
ورأى هيلفي أن غاية ما ستقوم به إسرائيل حيال هذا المؤتمر هى تذكرة واشنطن وموسكو بأن مصلحتها واحدة في هذا الصدد، وهي عدم السماح لإيران أو الجهاديين بالبقاء الدائم في سوريا في نظام ما بعد بشار.

 عرض: نوران شفيق على
معيدة بكلية الاقتصاد والعلوم السياسية، جامعة القاهرة.


أحدث أقدم