تقييم الجولة الأولى لمفاوضات جنيف -2 والسيناريوهات المحتملة بعد فشل الجولة الأولى لهذه المفاوضات من وجهة النظر الأمريكية | المكتبة الدبلوماسية

تقييم الجولة الأولى لمفاوضات جنيف -2 والسيناريوهات المحتملة بعد فشل الجولة الأولى لهذه المفاوضات من وجهة النظر الأمريكية

في الثاني والعشرين من يناير 2014، بدأت فعاليات الجولة الأولى من مؤتمر جنيف -2 المعنى بالأزمة السورية بمدينة مونترو السويسرية بحضور طرفي النزاع السوري، النظام والمعارضة، لأول مرة، إلى جانب الفاعلين الدوليين المعنيين بالأزمة إقليميا ودوليا. وقد انتهت فعاليات الجولة الأولى من المؤتمر في الثاني من فبراير 2014 بعد الاتفاق على أجندة مفاوضات دبلوماسية تعيد الأطراف المتنازعة إلى طاولة المباحثات في العاشر من الشهر المذكور.

تأتى أهمية جنيف -2 من كونه جاء بعد تحولات إقليمية جديدة تمثلت في الاعتراف الدولي "الأمريكي الغربي" بالمشروع الإيراني في منطقة الشرق الأوسط بشقيه: النووي والإقليمي، وبعد التوصل لاتفاق دولي للتخلص من ترسانة الأسلحة الكيميائية السورية، بناء على المبادرة الروسية في سبتمبر الماضي، الأمر الذي كانت له انعكاساته على التفاعل الدولي والإقليمي مع الأزمة السورية، عبر جنيف -2 ، سواء من حيث طبيعة الحل السياسي المأمول، ومرجعيته التي تتمثل في مقررات جنيف -1، أو من حيث السيناريوهات المتوقعة لمسار المفاوضات التي انتهت الجولة الأولي منها بالفشل.
الخلافات حول المشاركة في المفاوضات
حسم الائتلاف السوري المعارض مشاركته في فعاليات مؤتمر جنيف -2 بعد أن أيد المشاركة 58 عضوا من أعضائه البالغ عددهم 120 عضوا، وعارض 14، وامتنع 3، بينما انسحب 44 عضوا من الائتلاف ردا على قرار المشاركة في المؤتمر، معتبرين أن الظروف التي يعقد فيها المؤتمر ليست في صالح المعارضة، كما عارضت هيئة التنسيق المشاركة في فعاليات المؤتمر لرغبتها في أن تكون ممثلة على قدم المساواة مع الائتلاف وليس ضمنه. الموقف نفسه اتخذه حزب الاتحاد الديمقراطي الكردي - وهو الحزب الذي يدير عبر جناحه العسكري الأجزاء الشمالية والشمالية الشرقية المحررة من سيطرة النظام السوري، والتي تسكنها أغلبية كردية - الذي رأى أن تمثيل الأكراد في الائتلاف مقصور على أعضاء المجلس الوطني الكردي المدعومين من قبل زعيم إقليم كردستان العراق، مسعود برازاني.
       ومن ثم، فإن المجموعة الكردية الممثلة في الائتلاف هي المجموعة "المرضي" عنها أمريكيا. وقد خاضت قيادة الائتلاف برئاسة أحمد الجربا مفاوضات جادة مع أعضاء الائتلاف من أجل حسم قرار المشاركة هذا، خاصة أن مفاوضات الجربا اصطدمت بنص البند الخامس من الوثيقة التأسيسية للائتلاف التي وضعت في 11 نوفمبر 2012، وينص على رفض أي مفاوضات مع النظام السوري، وقد تم الالتفاف على النص عبر رأيين: الأول يرى ضرورة تعديل الوثيقة المؤسسة للائتلاف بشرط حصول التعديل على النصاب القانوني في التصويت. أما الرأي الآخر، فيرى أن الهيئة العامة للائتلاف قد أقرت مسبقا، وبالتحديد في 10 نوفمبر 2013، استعدادها للمشاركة في جنيف -2 على أسس معينة، مما يعني موافقتها ضمنيا على التفاوض. ومن ثم، تنعدم الحاجة لتعديل نص الوثيقة، لأن استكمال النصاب القانوني لتعديلها كان أمرا مستحيلا في ظل الخلافات الحادة التي يعانيها الائتلاف ما بين الخلافات حول تعديل الوثيقة التأسيسية من ناحية، والخلافات حول التمديد للمكتب السياسي من ناحية ثانية، ورفض عدد من الأعضاء الجلوس للتفاوض المباشر مع النظام من ناحية ثالثة.  
       في السياق نفسه، أعلن الائتلاف شروطه لحضور المؤتمر والتفاوض مع حكومة الأسد، وهي أن يكون هدف الحل السياسي المأمول هو تشكيل حكومة انتقالية، الأسد ليس جزءا منها، وأن تمنح كافة الصلاحيات التنفيذية بما فيها الصلاحيات الأمنية، أي الإشراف علي الجيش، والشرطة، وأجهزة الاستخبارات، وأن تكلف تلك الحكومة مهمة تنظيم انتخابات شفافة. كما أعلن ممثلو جماعات جند الشام، وجبهة ثوار سوريا، وجيش المجاهدين استعدادهم للمشاركة في وفد المعارضة السوري، إذا طلب منهم ذلك بحسبانهم ممثلين إلى جانب ممثلي الجيش السوري الحر للمعارضة العسكرية المعايشة للصراع علي أرض الواقع الميداني، بينما أعلنت الجبهة الإسلامية رفضها حضور المؤتمر.

       من ناحيته، رفض النظام السوري شروط الائتلاف، لأنه قرأ جيدا تبدلات المشهد السياسي، سواء الداخلي بينه وبين المعارضة، أو الخارجي على المستويين الإقليمي والدولي. فمن وجهة نظره أن المعارضة السياسية تبدو أكثر ضعفا وتشرذما عن الحالة التي كانت عليها في جنيف -1، بل ويراهن على انهيارها، وتفكك الائتلاف خلال المرحلة القادمة. كما أن ذراعها العسكرية (الجيش السوري الحر) يقاتل تنامي خطورة الجماعات المتطرفة كتنظيم الدولة الإسلامية في العراق والشام "داعش"، وجبهة النُصرة، في الوقت الذي تتواصل فيه دمشق دوليا لتطبيق اتفاقها الكيميائي.  

وبالتالي، يرى النظام السوري أن المرحلة الانتقالية القادمة يجب أن يقودها بشار الأسد، بحسبانه الرجل القوي القادر على مواجهة التطرف والإرهاب. وقد قدمت الحكومة السورية بعد لقاءات مع وزير الخارجية الروسي، سيرجي لافروف، بعض الإجراءات التي عدتها من وجهة نظرها "تنازلات" لإبداء حسن النوايا، حيث أبدت استعدادها لوقف إطلاق النار في شمال سوريا، وبالتحديد في حلب، كذلك استعدادها لتبادل عدد من المعتقلين لدى السلطات السورية بعدد من المخطوفين لدى بعض الجماعات المسلحة في الجانب المعارض.

وفي إطار هذه التفاعلات، تخوفت المعارضة السورية من احتمالية تقبل الولايات المتحدة والغرب عامة لفكرة بقاء الأسد ونظامه، أو رحيل الأول، وبقاء الأخير، مقابل محاربته للجماعات المنتمية لتنظيم القاعدة، وهى تخوفات بنيت على معلومات أفادت بحدوث اتصال استخباراتي بين بعض الدول الأوروبية والحكومة السورية بشأن بعض المنتمين للجماعات والفصائل الجهادية المسلحة من الأوروبيين، والتي تخشي دولهم من تداعيات عودتهم إليها مستقبلا. وترى المعارضة في هذا النوع من التنسيق، إلى جانب الاتفاق على التخلص من ترسانة السلاح الكيميائي السوري، بإشراف روسي- أمريكي- أممي، مصدرا للقلق من حالة "رضاء وقبول" دولي ببقاء نظام الأسد كجزء من منظومة محاربة الإرهاب في سوريا، مما يخدم المصالح الأمريكية والغربية، وكذلك يخدم أمن إسرائيل.

من جانب آخر، رأت المعارضة مهمة مشاركتها في جنيف -2 مهمة ليست باليسيرة، في ظل تطورات الأزمة، وفي ظل النجاحات التي يحققها نظام الأسد، سواء على صعيد المواجهة الميدانية للصراع الدائر مع الجيش السوري الحر، أو تلك التي يحققها على الصعيد الدبلوماسي السياسي بمساندة الدبلوماسية الروسية العائدة بقوة لمنطقة الشرق الأوسط.

كما جاء غياب إيران عن المؤتمر كإحدى إشكاليات انعقاده. فإيران، التي قدمت تنازلات من أجل اتفاقها النووي مع القوى الكبرى والأمم المتحدة، كانت تتوقع أن تتم دعوتها لحضور المؤتمر. وبالفعل، دعت الأمم المتحدة الحكومة الإيرانية، بحسبانها الدولة الأكثر تأثيرا في الأزمة السورية، ولكن سرعان ما سحبت الدعوة تحت تهديد الائتلاف السوري بعدم الحضور، وبرفض السعودية لدعوة إيران للمشاركة في المؤتمر.

وجود إيران كان مهما، وقد انعكس ذلك في تصريح وزير الخارجية الروسي، سيرجي لافروف، قبل انعقاد المؤتمر بيومين حينما قال إن عدم دعوة إيران للمؤتمر يعد "خطأ لا يغتفر". وقد اشترطت المعارضة على إيران إعلان قبولها لمجموعة من الشروط قبل مشاركتها في جنيف -2، منها :
1) سحب قواتها من سوريا، سواء التابعة للحرس الثوري الإيراني، أو التابعة لحزب الله اللبناني، أو التابعة للميليشيات الشيعية العراقية.
2) كذلك التزامها بقبول كافة مقررات مؤتمر جنيف -1 ، لاسيما المتعلقة بالحكومة الانتقالية، وإعلانها مسبقا الالتزام بتنفيذ كافة القرارات الصادرة عن مؤتمر جنيف -2.  
وقد رفضت طهران قبول شروط المعارضة، وعلقت رسميا بالقول إن مؤتمر جنيف -2 " مات قبل أن يولد"، في إشارة إلى حسبانه غير ذي جدوى. وفي السياق ذاته، أعلنت واشنطن أن حضور إيران المؤتمر "غير مفيد"، وأشارت في الوقت نفسه للحكومة الإيرانية إلى أن عدم حضورها لمؤتمر جنيف لا يؤثر بالضرورة فى مسار الاتفاق النووي معها، مما يشير إلى رغبة واشنطن الفصل بين مسار الأزمة السورية، ومسار الاتفاق النووي الإيراني على الأقل في المرحلة القادمة.   

تحديات الحل السياسي الغائب في جنيف -2
ثمة توافق روسي- أمريكي على طرح حل سياسي في جنيف -2 دون أن تكون هناك أي "ضمانات" للمعارضة تضمن أن يكون الحل في صالحها بصورة كاملة، أو حتى تضمن الضغط على النظام السوري لتنفيذ مقررات جنيف -1 المصدق عليها أمميا. لذلك، يُنظر إلى المؤتمر بحسبانه مجرد جولة دبلوماسية برعاية أمريكية- روسية لتثبيت حل سياسي يمكن "فرضه" على طرفي الصراع السوري، تقل فيه إلى حد كبير مساحة الاختلاف في تفسير مقررات جنيف -1 بين الطرفين، مع الأخذ في الحسبان أن هذا الحل لم ينضج إقليميا ولا دوليا حتى هذه اللحظات، لكنه في الوقت نفسه يبدو ظاهرا في الأفق، لاسيما بعد النتائج التي حققها التفاهم والتوافق الروسي- الأمريكي بشأن الاتفاق الكيميائي السوري من ناحية، والنووي الإيراني من ناحية أخرى.

ولا يغيب عن التحليل هنا الموقف الأمريكي- الأوروبي الراغب في تقويض التطرف المتصاعد من جانب بعض عناصر المعارضة السورية كجبهة النصرة، وتنظيم داعش. ويبدو أن هذا الطرح بالتحديد يعد جزءا رئيسيا من التسوية المحتملة، ومن ثم يصبح الطرفان شريكين في " المحتوى" السياسي الجاري إنضاجه عبر جنيف -2 ، وملخصه إعداد صيغة ما مقبولة دوليا وإقليميا لتقاسم السلطة بين الطرفين، عبر حكومة انتقالية جديدة، وكذلك القبول بالعمل المشترك من الجانبين لمحاربة الإرهاب والتطرف. ومن ثم، تكون معادلة الحل السياسي المأمول في سوريا مستقبلا مشتملة على متغيرين دون أن يتم تحديد لأيهما الأولوية على الآخر: متغير يتعلق بتقاسم السلطة بين النظام والمعارضة، عبر حكومة انتقالية كاملة الصلاحيات، بناء على مقررات مؤتمر جنيف -1، ومتغير يتعلق بمحاربة الإرهاب.     

إذن، أولويات الحل السياسي في جنيف -2 اصطدم بعضها ببعض، ناهيك عن الاختلاف البين في وجهات النظر حول تفسير مقررات جنيف -1، فقد اختلف الطرفان المتنازعان بشأن الأولويات التي يتم التفاوض عليها ما بين محاربة الإرهاب التي يراها النظام هي الملف الرئيسي الذي يجب أن يكون هو محور المؤتمر، وبين تشكيل حكومة انتقالية ترى المعارضة أن السعي لتشكيلها هو أساس حضورها للمؤتمر نفسه. لكن وعلى مدى أسبوع من بدء المفاوضات في جنيف - 2 ، بدا أن خلاف الأولويات هو النقطة الأكثر صعوبة على الإطلاق في مسار المفاوضات، وبدا واضحا إصرار وفد الحكومة السورية على مناقشة مكافحة الإرهاب دون مناقشة عملية الانتقال السياسي، بل وسعى الوفد إلى تقديم ما سماه وثيقة مبادئ أساسية تنص على أن للسوريين الحق الحصري في اختيار نظامهم السياسي، بعيدا عن أي صيغ مفروضة، مما يعني الضرب بمقررات جنيف -1 عرض الحائط، لأنها أقرت تشكيل هيئة حكم انتقالية.

في الوقت نفسه، تقدم وفد الحكومة السورية بمجموعة من المقترحات التي من بينها: مبادرة وقف إطلاق النار في حلب وريفها، ورفض الحديث في أي مرحلة من مراحل التفاوض حول نقل صلاحيات الرئيس السوري بشار الأسد، والمطالبة بنقل المفاوضات في المرحلة القادمة إلى داخل الأراضي السورية،  وأن جنيف -2 هو آخر المؤتمرات المعنية بالأزمة السورية خارج البلاد، وتأكيد عدم اتخاذ الوفد السوري الحكومي أي قرارات دون الرجوع للرئيس السوري، وضرورة إشراف الحكومة السورية على دخول المساعدات الإنسانية عبر اتفاقات تضمن سيادة الدولة السورية، والاتفاق على كيفية تبادل المعتقلين، باستثناء المتورطين بالارتباط بتنظيم القاعدة والنًصرة.

وقد رفض الائتلاف السوري هذه الوثيقة، متهما النظام بالمراوغة والابتعاد عن النقطة الرئيسية، وهى تشكيل الحكومة الانتقالية، الأمر الذي زاد من عمق الفجوة السياسية بين الجانبين.

وقد صاحب الخلاف حول أولويات الحل السياسي المطروح في جنيف -2 ما بين مكافحة الإرهاب، أو الانتقال السياسي، نجاح جهات مسلحة في المعارضة السورية، وهي بالتحديد الجبهة الإسلامية في شن هجوم على تنظيم داعش، وإلحاق ضربات عسكرية مؤثرة به، مما يعني أن الدول المساندة للعمليات العسكرية بداخل سوريا قد بدأت تجرد نظام الأسد من ورقة "محاربة الإرهاب" التي يتخذها ذريعة لتسويق نفسه في أية تسوية مستقبلية، أي أن السعودية قررت استمرار الدفع بالمعارضة المسلحة لجبهتين، الأولى: الاستمرار في محاربة الجيش النظامي، والأخرى محاربة التنظيمات المرتبطة بالقاعدة، حتى لا يكون للولايات المتحدة والغرب حجة في الإبقاء على الأسد بدعوى أهميته في مواجهة الإرهاب.

 التطورات التي تدفع بها السعودية داخل الصراع السوري المسلح والتحولات تجاه محاربة تنظيم القاعدة قد تضع الولايات المتحدة أمام خيارات جديدة، من بينها أن بقاء الأسد لمحاربة الإرهاب لم يعد أمرا جوهريا، مما يفتح الباب أمام بروز معادلة جديدة قد يتوافق عليها الشريكان الأمريكي والروسي، تضمن الحفاظ علي النظام السوري، وحمايته من الانهيار، لاسيما مؤسساته الأمنية التي ستلعب دورا إلى جانب ما يتبقى من الجيش السوري الحر، والجبهات الإسلامية المعتدلة العاملة تحت نطاقه كالجبهة الإسلامية في محاربة الإرهاب، الأمر الذي يحقق مصالح روسيا والولايات المتحدة معا.
فالأولى ستضمن استمرار التحالف الاستراتيجي الاقتصادي والعسكري مع النظام السوري بمؤسساته المختلفة، والأخيرة ستضمن مصالحها، خاصة ما يتعلق بحماية أمن إسرائيل، وهي المصالح التي حافظ عليها نظام الأسد الأب والابن على مدى الأعوام الستة والأربعين الماضية، مقابل أن يقوم حلفاء دمشق، الروس والإيرانيون، بالضغط على الرئيس السوري بشار الأسد لمنعه من إعادة ترشيح نفسه خلال الانتخابات الرئاسية القادمة، لاسيما وأن هناك ما يشير إلى طرح أمريكي- روسي جديد يدعو إلى إجراء انتخابات رئاسية مبكرة في غضون ثلاثة أشهر من تاريخ إقرار التسوية المحتملة، دون أن يترشح الأسد فيها، وأن اتصالات ما تمت مع حلفاء دمشق في إيران ولبنان، طالبتهم بالضغط على بشار الأسد في هذا الاتجاه، أي أن حلفاء دمشق "قد" يتجهون للإبقاء على النظام، وليس على الأسد كخيار أخير قد "يضطرون" إليه، إذا استلزمت التسوية الإقليمية اللجوء إليه.
فورقة تنحي الأسد، التي تعد الورقة الحرجة، لا تزال تنتظر كلمة إيران وروسيا، فالأولى بدت وكأن الاتفاق النووي الذي حصلت عليه سيجعلها أكثر مرونة في تسويات سوريا المقبلة. أما الأخيرة، فلا تزال تؤخر موقفها النهائي في مسألة تنحي الأسد، مع الإبقاء على النظام، حتى تضمن تحقيق هدفين:
 الأول: ضمان السيطرة الكاملة على مصالحها الاستراتيجية في سوريا، لاسيما قاعدتها العسكرية البحرية في طرطوس.
والآخر: ضمان استمرار تحالفها الاستراتيجي كما هو مع أي نظام انتقالي بديل مستقبلا.
أسباب فشل الجولة الأولى لجنيف -2:
استمرت الجولة الأولى من المفاوضات على مدى أسبوع، كان العنوان الأبرز فيها للقاءات المبعوث الأممي، الأخضر الإبراهيمي، مع وفدي الحكومة برئاسة وزير الخارجية، وليد المعلم، والمعارضة برئاسة أحمد الجربا، هو كيفية "بناء الثقة" بين الطرفين المتنازعين. بدأت عملية بناء الثقة بتوافق الطرفين على توصيل المساعدات الإنسانية لمدينة حمص المحاصرة، تبع تلك الخطوة إعلان الأخضر الإبراهيمي في اليوم الثالث من المفاوضات أن الوفدين الحكومي والمعارض وافقا على الجلوس معا وجها لوجه في غرفة واحدة في مقر الأمم المتحدة، على أساس مقررات جنيف -1 التي تقر بتشكيل هيئة انتقالية، ولكن هذا الإعلان سرعان ما ذهب أدراج الرياح، وفشل الاجتماع الثلاثي قبل أن يبدأ، وتبادل الطرفان الاتهامات بالمسئولية عن فشل عقد هذا الاجتماع.

 وكان الإبراهيمي قد أعد ورقة تشتمل على خطوات جديدة في بناء الثقة بين الطرفين، منها :
1-عقد هدنة لوقف تبادل إطلاق النار بين الجانبين، وإدخال المساعدات الإنسانية إلى المدن المحاصرة.
2- وبدء التفاوض حول تشكيل الهيئة الانتقالية، مع تحديد المؤسسات التي يجب الحفاظ على بقائها.
 وقد تواكب ذلك مع موقفين لافتين للشريكين الروسي والأمريكي، حيث غادرت عناصر مهمة من الوفد الروسي فعاليات المؤتمر في اليوم الثالث من مفاوضات جنيف، وبالتحديد وزير الخارجية سيرجي لافروف، ومسئولو الملف السوري في الخارجية الروسية، مما أثار قلق الولايات المتحدة وأصدقاء المعارضة السورية من توقف الضغط الروسي على وفد الحكومة السورية لحمله على إبداء مرونة في المفاوضات.
أما الجانب الأمريكي، فقد شن وزير خارجيته، جون كيري- خلال فعاليات مؤتمر دافوس بسويسرا أيضا في الفترة من  22 إلى 25 يناير 2014 ، الذي تزامن مع عقد مؤتمر جنيف- حملة انتقاد شديدة اللهجة ضد الرئيس السوري بشار الأسد، مصرحا وبصورة مباشرة بأن الصراع المسلح في سوريا سيستمر، إذا أصر بشار الأسد على أن يكون جزءا من المرحلة الانتقالية القادمة، حيث قال: " إن المعارضة لن تتوقف عن القتال، ما دام الأسد مستمرا في السلطة"، و" أن الموافقة المتبادلة على تشكيل الحكومة الانتقالية بموجب بيان جنيف - 1 لا تعنى أن المعارضة ستقبل ببقاء الأسد في السلطة".

ولم يحمل مسار مفاوضات الجولة الأولى، التي انتهت في الثاني من فبراير 2014 ، أية بارقة أمل في تقديم الطرفين لأية تنازلات جديدة يمكن أن تحلحل الموقف المتجمد بينهما، مما يعني أن التوافق الأمريكي- الروسي على حل سياسي يتم "فرضه" على طرفي النزاع لم يختمر بعد، ولم يأخذ صيغته النهائية، على الرغم من توافر النية بشأنه، ولكل من الطرفين أسبابه، فالروس وجدوا في فشل الجولة الأولى من المفاوضات فرصة لإلقاء المسئولية على المعارضة ووفدها الضعيف.
ومن ثم، فمن المحتمل أن يكون لروسيا مطالب خلال الجولة الثانية من المفاوضات، تتعلق بالمعارضة، سيكون من بينها توسيع وفدها بإشراك كافة الأطياف به، لأن الائتلاف- من وجهة النظر الروسية- لم يعد يمثل الشعب السوري تمثيلا جيدا، وقد يكون هذا المطلب الروسي معول الهدم في كيان الائتلاف السوري المعارض، وربما انتهاء دوره خلال المرحلة القادمة. أما واشنطن التي تبحث إنهاء حكم بشار الأسد، والإبقاء على نظامه، فلم يشغلها فشل الجولة الأولى من مفاوضات جنيف -2 كثيرا، لأنها تعلم أن حلا سياسيا لا يضمن وجود الأسد سيعنى الاصطدام بإيران، وسيتوقف مسار تطبيق اتفاق الأسلحة الكيميائية السورية، وستواجَه باعتراضات داخل مجلس الأمن من قبل الصين وروسيا.
وبالتالي، فإن البديل هو استمرار استنزاف القوى السورية، النظام والمعارضة المسلحة معا، أي مزيد من الفوضى التي تصاحبها عملية تزويد المعارضة المعتدلة بأسلحة غير نوعية، لعلها تحدث التغير المنشود في موازين القوى في الداخل السوري لصالحها في مواجهة النظام.
 ومن ثم، تصبح السيناريوهات المحتملة بعد فشل الجولة الأولى من مفاوضات جنيف -2 ، من وجهة النظر الأمريكية، هي كالتالي:
السيناريو الأول: قبول استمرار الأسد، وقبول فكرة ترشحه خلال الانتخابات الرئاسية القادمة بعد الاتفاق مع الشريك الروسي على الأثمان الإقليمية لذلك.
السيناريو الثاني: اتخاذ القرار الأصعب بالنسبة لواشنطن بإمداد المعارضة بأسلحة نوعية تقلب موازين الصراع بينها وبين الجيش النظامي، وهي خطوة امتنعت عنها واشنطن طوال السنوات الماضية، وتزايد الرفض لها، خوفا من وقوع تلك الأسلحة تحت سيطرة التنظيمات المرتبطة بالقاعدة، مما سيكون له انعكاساته السلبية على أمن حليفها الإسرائيلي.
السيناريو الثالث: البحث عن "بديل" يحظى بقبول روسي- أمريكي لبشار الأسد، على أن يتم الحفاظ على كيان الدولة السورية ومؤسساتها من الانهيار. وتشير بعض الأنباء إلى أن هذا البديل بات جاهزا، وسيعلن عنه خلال الجولات القادمة من المفاوضات، ويحظى بقبول الجيش السوري، وبقبول مؤسسات الدولة السورية، مما ينفي اصطدامه بالمصالح الاستراتيجية للإيرانيين والروس مع النظام السوري.           
إن الجولة الأولى من مفاوضات جنيف -2 السوري، وفقا لما سبق، انتهت بفشل في التوصل لمرحلة طرح الحل السياسي، ولكنها نجحت فقط في جمع الطرفين المتنازعين وجها لوجه، كما أنها لم تنته إلى وضع "الضمانات" الكفيلة بعقد الجولة الثانية من المفاوضات والمتوقعة في 11- 12 فبراير الجاري. فلا المعارضة ضمنت تأليف هيئة حكم انتقالي، ولا النظام ظفر بمواجهة دولية للإرهاب، بل إنه في طريقه لفقد هذه الورقة أيضا بالتدريج، إذا استمرت الدول الداعمة للمعارضة في تقوية فصائل الجيش السوري الحر، والجبهة الإسلامية في مواجهة داعش، وجبهة النُصرة، مما يعني أنه لا مجال لطرح حلول خلال الأسابيع القادمة، وإنما ستُعطي الأولوية لاستمرار المحادثات بين الطرفين، على أمل إحداث اختراق ما في المواقف الثابتة للطرفين مع مرور الوقت.

قصارى القول إن جنيف -2 لم يشكل نقطة تحول فاصلة في مسار الأزمة السورية، حتى هذه اللحظات، ولكنه، وعبر جولاته المنتهية حاليا والمحتملة خلال الأسابيع القادمة، قد يشكل منطلقا نحو تسوية إقليمية كبرى، وإن كان المشهد يبدو معقدا، لأن عناصر التسوية للأزمة السورية متشابكة، ولم تكتمل حتى الآن، وتصل أحيانا لمرحلة "الاستعصاء" على الحل، مما يشير إلى استمرار الصراع السوري قائما خلال الفترة القادمة. وتبقى خيارات إبقاء الإطار التفاوضي بين طرفي الصراع قائما ومتواترا هي أفضل السيناريوهات المتوقعة لمسار الصراع، حتى مع استمرار انعدام النتائج، أو تواضعها.   


Neuere Ältere