تطوير استراتيجيات التفاوض لدعم الدبلوماسية | المكتبة الدبلوماسية

تطوير استراتيجيات التفاوض لدعم الدبلوماسية

د. مثنـى المهداوي

يرى كثير من المعنيين بالشؤون الدبلوماسية ان نجاح الدبلوماسية يتوقف على مدى سيرها وفق مبادئ قويمة تضمن لها تحقيق الغايات السامية التي وجدت من اجلها، لا سيما المبدأ القائل بان الدبلوماسية اداة سلام بعكس القوة المسلحة التي هي اداة الحرب،وتشير كثير من الامثلة الى ان بعض الدول استخدمت الدبلوماسية لغير اهدافها السامية ما ادى الى اندلاع حروب مدمرة، فالدبلوماسية السليمة هي التي تؤمن بالتفاهم مع المذاهب السياسية الاخرى ولا تقفل الباب امام امكانية التعايش السلمي مع الدول الاخرى.

وتأتي المفاوضات في صلب مهام الدبلوماسية والمفاوضات لا تقوم عادة الا بوجود مشكلة بين دولتين او اكثر، ومحاولتهما من خلال هذه المفاوضات حلها عن طريق الالتقاء والتوافق.
 والمقصود باستراتيجيات التفاوض التقنيات المتبعة في عملية المفاوضات ولابد من التنويه الى ان الاستراتيجية ترتبط بالوسائل في حين تتعلق الاهداف بالغايات ولهذا فان الخلط بين الاستراتيجية والهدف يصبح خلطا بين الوسائل والغايات ويمكن ان يقود الى سوء التصرف واتخاذ قرارات خاطئة.

واذا ما ارادت الدبلوماسية في دولة ان تحقق اهدافها فعليها ان تعمل على تطوير العنصر الاساسي للدبلوماسية الا وهو المفاوضات عن طريق اتباع استراتيجيات ناجحة تستخدم في المفاوضات ومن هذه الاستراتيجيات:

1- استراتيجية مفاوضة الدول غيرالمتعاونة: التي تستخدم عندما يدخل متغير جديد الى العملية التفاوضية ولتغير وضع راكد الى متحرك، عندما يريد الطرف الاخر الاستئثار بنتائج المفاوضات ومن الاساليب التكتيكية التي تتضمنها هذه الستراتيجية ضبط النفس وعدم الاندفاع، المفاجأة، الانسحاب برفق، الحدود، والانسحاب الظاهري.

2- استراتيجية التعامل مع الدول المتعاونة: وتنطوي هذه الستراتيجية في اغلب الاحيان على الروح التعاونية لاطراف المفاوضات اتجاها وسلوكا، ولكن ليس بالضرورة تطبيقها على مختلف الموضوعات والمواقف التفاوضية بنفس الاتجاه والمسلك والاساليب التكتيكية لهذه الستراتيجية المشتركة، مفترق الطرق واسلوب الخطوة خطوة.

3- الاستراتيجية الشاملة: وتنطوي هذه الستراتيجية على عدد من الاساليب التكتيكية بين التشدد واللين وما بينهما من اساليب موضوعية تدل على الروح التعاونية في المفاوضات والايمان بالاهداف المشتركة لكل طرف من الاطراف ومن تكتيكات هذه الستراتيجية تقديم التنازلات بين التشدد واللين اعتمادا على نمط تفاوض او العكس ودقة تعقيد المشكلة المتفاوض عليها.

ان نجاح هذه الستراتيجيات التفاوضية من اجل دعم الدبلوماسية ة يعتمد على توفر شروط معينة، مثل وجود مفاوضين ناجحين يتمتعون بسمات معينة منها الحذر من الاقدام على اية خطوة دبلوماسية من دون درس وتمحيص والتميز بمهارة جمع وتحليل واستخدام المعلومات، والالمام بمعارف متنوعة ذات صلة بالتفاوض، ومهارة اتخاذ القرار التفاوضي.

ومن شروط نجاح الاستراتيجيات التفاوضية ادارة المفاوضات بطريقة ناجحة، فمع ان الطبيعة الخاصة لبعض انواع المفاوضات قد تفرض ترتيبا معينا للمراحل التي تمر بها، الا ان بعض الجوانب المرحلية يتكرر حدوثها من نمط تفاوضي الى اخر وبشكل عام فان هناك ثلاث مراحل على الدولة ان تديرها بصورة ناجحة وهي مرحلة بدء المفاوضات وعلى الوفد الدبلوماسي المفاوض في هذه المرحلة ايجاد الجو التفاوضي المناسب وعرض موقفه بوضوح والتعرف على مواقف الاخرين.
وفي المرحلة الثانية على الوفد الدبلوماسي المفاوض تحريك الاطراف للتطور في المفاوضات وكسر الحاجز النفسي، اما في المرحلة الثالثة نهاية المفاوضات فان عليه ان يتحلى بهدوء الاعصاب واختيار عنصر الوقت والمحافظة على مشاعر الاطراف الاخرى وخاصة اذا كانت ستخرج من المفاوضات بخسارة.

واذا ما اردنا الدبلوماسية  ان تحقق نجاحات في استراتيجياتها التفاوضية فعليها ان تنظر الى اي مفاوضات كمشروع تعاوني، ذلك ان اقبال الطرفين المتفاوضين على التفاوض بروح تعاونية فمن المحتمل جدا اقناعهما بالسعي الى بلوغ اهداف يمكن تقسيمها بالتساوي، على اية حال لا ينبغي التخلي عن الاتجاهات التنافسية فهي بمثابة عملية توحيدية، اي تنافس ينسق انشطة اطراف التفاوض، اذ ان يدا واحدة لا تخفق وحدها، والمناقشة من كل طرف تفاوضي والذي يقيس عن طريقها كفاءته ووسائله في مقابل الطرف الاخر ووسائله ويجني من الثمرات ما يتناسب مع ذلك تناسبا طرديا، تكون حقا انجازا تعاونيا في التفاوض لا سيما اذا احس طرفا التفاوض انهما على قدم المساواة وازداد النقاش حجما والحوار نوعا، ولم ينصب التفاوض على الماضي بل التزم بالمستقبل، لان ما فات قد فات وانقضى، اما المستقبل فلم يتحدد وبذلك يتيح لاطراف التفاوض انقاذ ومعالجة الكثير من المشاكل والموضوعات المعلقة، وهو ما تحتاجه الدبلوماسية  في هذه المرحلة.


أحدث أقدم