مبدأ مونرو | المكتبة الدبلوماسية

مبدأ مونرو

وسط تلك الأجواء اطلق الرئيس جيمس مونرو مبدأه الأول في السياسة الخارجية والذي اطلق عليه «مبدأ مونرو» والذي يقضي بعدم تدخل الولايات المتحدة في شئون الدول الاخرى، كما انه لا يحق لأي دولة ان تتدخل في شئون العالم الأميركي. وكان ذلك صبيحة الثاني من شهر ديسمبر 1823 وفي الخطاب الذي ألقاه مونرو امام الكونغرس ـ وبالرغم من هذه التسمية، الا انه وفي الواقع كان يجب ان يكون الاسم: «مبدأ آدمز» الرجل الذي أقنع الادارة الأميركية بانتهاج سياسة مستقلة عن الدول الاخرى.


ويمكن تلخيص مبدأ مونرو في كلمتين هما «أميركا للأميركيين»، وهو ما درج المحللون بوصفه بالانعزالية التي تعتبر من أكبر التقاليد في السياسة الخارجية للولايات المتحدة وتؤكد على رغبة أميركا تجنب الاحلاف المربكة والبقاء على الحياد في حروب اوروبا الا عندما تكون حريتنا او تقاليدنا المقدسة» في خطر.


وبالرغم من أن مبدأ مونرو ركز على أمرين فقط هما: ـ يجب على الدول الأوروبية عدم مد نفوذها الاستعماري لأميركا (AMERICAS) ـ تلتزم الولايات المتحدة من جانبها بعدم التدخل في المشكلات أو العلاقات الأوروبية.


الا ان مونرو كان يقصد عزل القارتين الاميركيتين وليس الولايات المتحدة وحدها في مواجهة الاستعمار الاوروبي، وكان دافع ذلك هو تفكير الدول الأوروبية الاستعمارية في مساندة اسبانيا في استعادة مستعمراتها التي استقلت، واعتبر الرئيس مونرو ان التدخل الاوروبي هو تهديد لأمن الولايات المتحدة. ويتضح ان المقصود بالعزلة هو احتكار الولايات المتحدة للقارتين الاميركيتين الشمالية والجنوبية معا، وهو ما تحول بعد ذلك الى المعاهدة التي قامت عليها منظمة الوحدة الأميركية بعد الحرب العالمية الثانية لتشمل دول اميركا الجنوبية مع الولايات المتحدة.


لقد احتل «مبدأ مونرو» مرتبة متقدمة في السياسة الأميركية، حيث اصبح مرتكزا ثابتا في التبريرات التي تحتاجها الدبلوماسية عندما تريد ان ترفض طلبات المساعدة القادمة من الخارج أو عندما تريد ان تتدخل بعيدا عن الاضواء، وقد ظل هذا المبدأ موضع احترام طول قرن كامل، اما قسمه الأول فهو لا يزال قائما دون تعديل.


ان الملاحظة الهامة على هذا المبدأ، ان تطبيقاته الحقيقية تقوم على الجانب الرسمي، اما السلوك الفعلي للولايات المتحدة، فانه يخرج عن دائرة المبدأ، ومع ذلك تصر الادارات الأميركية على احترامها لمبدأ مونرو.


فمثلا عندما تزايدت الدعوات بضرورة دعم اليونانيين ووصلت الى درجة المطالبة بالاعتراف الرسمي بالحكومة اليونانية لتسهيل فصل اليونان عن الدولة العثمانية، عندما حدث ذلك، لم تتخذ الادارة الاميركية قرارا رسميا لصالح اليونان في المساعدة والدعم، لكنها كانت ترسل المساعدات المالية والعتاد الحربي تحت ستار مساعدات الشعب الأميركي والمتطوعين الأميركيين. وقد ساهمت هذه المساعدات في نجاح الثورة اليونانية، وتحويل اليونان الى دولة منفصلة عن الدولة العثمانية، ولولا تلك المساعدات لما تمكن اليونانيون من كسب معركة الانفصال.


ثم كررت الحكومة الاميركية نفس الموقف مع جزيرة كريت، حيث قدمت مساعداتها للثوار بصورة غير رسمية في الوقت الذي كانت تعلن فيه رسميا انها لا تستطيع دعم الثوار، لأن ذلك يتعارض مع مبدأ مونرو، واعادت التجربة مرة ثالثة في بلغاريا، فاعلنت التزامها بمبدأ مونرو بعدم التدخل، لكن المبشرين الاميركيين كانوا هم الذين تحملوا اعباء كبيرة في ثورة البلغار ضد العثمانيين.


وفي مقابل ذلك، وعندما تعرضت الدولة العثمانية قبيل الحرب العالمية الأولى الى اعتداءات عسكرية من قبل ايطاليا ودول البلقان، قدمت طلبا الى الحكومة الأميركية بالتدخل السلمي، واستخدام علاقاتها لوقف الاعتداءات، لكن أميركا رفضت ذلك بدعوى تمسكها بسياسة عدم التدخل التي حددها مبدأ مونرو.


ورغم أن مبدأ مونرو قد سمح للتدخل الأميركي أن يأخذ طريقه الى قضايا البلدان الأخرى، الا انه احيط بهالة حاولت اظهارها على أنه المبدأ الذي منع اميركا من التدخل في الشئون الدولية. وقد تحولت هذه النظرة الى اتجاه سائد في الدراسات السياسية التي اعتبرت ان الولايات المتحدة كانت تعيش عزلة سياسية منذ اعلان مبدأ مونرو وحتى الحرب العالمية الاولى.


لكن من الواضح ان هذا الاتجاه انما استند على التفسير الاميركي الخاص، والذي كان يتخذ الموقف المتدخل في الشئون الخارجية، لكنه لا يعطيه الصفة الرسمية. وقد استطاع هذا التفسير ان يقنع قطاعات واسعة من المهتمين بالسياسة حتى داخل الوسط الأميركي.


ويقودنا «الانقلاب» على مبدأ مونرو في الحالتين اليونانية والبلغارية الى طرح السؤال: هل يمكن ان يكون الغرض من مبدأ مونرو هو عزل أميركا عن العالم الخارجي؟ وهل وجود خطين متوازيين لسياسة دولة ما تجعلها في خانة الانعزالية، اذا كانت هذه الحالة مقاربة وتسمى في بعض الأحيان «الانعزالية» لكن تسميتها بهذا الشكل تخطئ الهدف، فأميركا لا يمكن ان تكون انعزالية، وهي طيلة العقود منخرطة في الشئون الاقتصادية العالمية.


ان هذه السياسة ذات الخطوط المتوازية لا تعني بالضرورة انها خطوط متساوية في الطول، بل العكس هو الصحيح، فقد يطول الخط الداخلي احيانا اكثر من الخط الخارجي، فيشعر المراقب أن الدولة قد انغلقت على ذاتها وانعزلت عن الخارج، وبالمقابل قد يطول الخط الخارجي بحيث يعطي انطباعا بأن هامش الهم الداخلي قد خف وطأة، والضابط لهذين الخطين في السياسة الأميركية هي المصلحة القومية العليا مع التأكيد على أن الخطين دائما توازيان، والخطورة في هذا الوضع بعيدة ما دام الخطان لم يتقاطعا او يصطدما او لم يمض كل خط باتجاه الآخر.


ملاحظات حول المبدأ



يشير الكاتب والتر ماكدوجال، استاذ التاريخ والعلاقات الدولية في جامعة بنسلفانيا في كتابه «اميركا في مواجهة العالم منذ العام 1776، الى أن المؤرخين عكفوا على كشف غموض الاساطير التي اكتنفت مبدأ مونرو، غير انهم فشلوا في تغيير الحكمة الشائعة عنه، مثلما فشلوا في تبديد اسطورة العزلة، وهنا يذكر: ـ مبدأ مونرو لم يكن مبادرة أميركية خالصة، بل كان بمثابة رد سريع وجريء على فكرة بريطانية مقابلة.


ـ لم يصمم مبدأ مونرو لاجهاض محاولة من جانب «الحلف المقدس» لسحق استقلال اميركا اللاتينية، لأن ايا من القوى القادرة على التدخل في اميركا اللاتينية، وهي اسبانيا وفرنسا وبريطانيا لم تكن اعضاء في هذا الحلف «المقدس».


ـ لم ينقذ مبدأ مونرو المناهض للاستعمار الجمهوريات الاميركية الاسبانية الوليدة، ولم يوفر ملاذاً لها.


ـ لم يكن مبدأ مونرو يحمل اسمه الا من الناحية الظاهرية فقط، وتحول الى مبدأ فعلي بعد الاعلان عنه بعشرين عاما على الأقل.


وفي هذا السياق يقول الكاتب على لسان المؤرخ توماس باترسون «ترى الترجمة التقليدية أن مبدأ مونرو كان يمثل دفاعا عن المثل الاميركية وأمن اميركا وتجارتها» اي تأكيد المصالح القومية، ووضع آخرون مبدأ مونرو في اطار عرف التوسع الأميركي، واشاروا الى أن الاعلان قد يكون معناه ارفعوا أيديكم أيها الأوروبيون، ولكنه سمح للولايات المتحدة ان تضع اياديها».


 ويرى ماكدوجال ان المؤرخين يصرون على النظر الى السياسة الاميركية الخارجية على أنها ميدان معركة بين المثالية والواقعية، وان ابقاء القوى الامبراطورية بعيدة، ومنعها من مد نظام توازن القوى الذي تنتهجه الى مياه اميركا الشمالية وما تحفه من اراض كانت مصلحة اميركية حيوية، سواء ادى الى توسع أميركا أم لا، وحتى اذا ما تحقق هذا التوسع، فلا يمكن اعتباره متطابقا مع سياسة مبدأ مونرو، بل نتيجة طبيعية له.

المصدر: http://www.theacademysite.com/vb/showthread.php?t=48


Neuere Ältere