المطلب الثاني- الطبيعة القانونية للحماية الدبلوماسية | المكتبة الدبلوماسية

المطلب الثاني- الطبيعة القانونية للحماية الدبلوماسية

من القواعد المسلمة في الفقه والقضاء الدوليين أن الحماية الدبلوماسية حق للدولة ولكنها ليست حقاً من حقوق الأفراد , وأن دعوى المسئولية الدولية التي تحركها الدولة المدعية لحماية مواطنيها دبلوماسياً علاقة قانونية بين الدولتين المدعية والمدعى عليها لا شأن للفرد موضوع الحماية بها إطلاقا , فبمجرد تدخل الدولة المدعية لحماية الفرد المتمتع بجنسيتها - أو ما في حكمه - تنتهي العلاقة القائمة بينه وبين الدولة المدعى عليها , لتحل محلها علاقة من نوع جديد بين هذه الأخيرة والدولة المدعية .وبناء علي ذلك قضت المحكمة الدائمة للعدل الدولي في حكــمـها الصــــــادرفي 30 - 8 - 1924 ف , في النزاع بين " بريطانيا واليونان" في شأن قضية عقود الامتياز الممنوحة في فلسطين " لمافروماتيس" بما يأتي :
(( منا لمبادئ الرئيسية في القانون الدولي أن كل دولة لها الحق في حماية مواطنيها إذا لحقتهم اضرار نتيجة لما يصدر عن الدول الأخرى من أعمال تخالف أحكام القانون الدولي, وذلك إذا لم يستطيعوا الحصول علي الترضية المناسبة عن طريق الوسائل القضائية الداخلية . والدولة إذا تتبني قضية أحد مواطنيها , وتلجا في شأنها إلي الطريق الدبلوماسي أو إلي الوسائل القضائية الدولية , فإنها - في واقع الأمر - إنما تؤكد حقها هي ,أي حق الدولة في أن تكفل - في أشخاص مواطنيها - الاحترام اللازم لقواعد القانون الدولي ... , وإذا حدث أن تقدمت إحدى الدول , نيابة عن أحد مواطنيها , بقضية ما إلي محكمة دولية , فإن هذه الدولة وحدها هي التي تعتبر في نظر المحكمة التي ترفعإليها الدعوى الجهة المطالبة بالتعويض )) .  وقد أيدت محكمة العدل الدولية في قضية نوتنبوهم بين " ليشتن شتين وغواتيمالا " في 6 - 4 – 1955م, ما انتهت إليه محكمة العدل الدولية الدائمة في قضــــــــــية " مافروماتيس " , حين أكدت أن الحماية الدبلوماسية تعتبر حق للدولة .
 وقد ذكرت : (( بأن الحماية الدبلوماسية تُشكِل , عن طريق الوسائل القضائية , إجراءات للدفاع عن حقوق الدولة )) .وبهذا فإن الحق في ممارسة الحماية الدبلوماسية حقا خاص بالدولة لإصلاح الأضرار التي تلحق بمواطنيها ورعاياها , ولذلك فبمجرد أن تتدخل الدولة لحماية الفرد المتمتع بجنسيتها تنتهي العلاقة بينه وبين الدولة المسئولة , لتحل محلها علاقة جديدة بين دولة الفرد المضرور والدولة التي ارتكبت الفعل غير المشروع ,فيتحول النزاع من المستوى الداخلي إلي المستوى الدولي .
ويترتب علي اعتبار الحماية الدبلوماسية حقا خاصا بالدولة عدد من النتائج في غاية الأهمية والتي تتمثل في الأتي :- 
 1- للدولة مطلق الحرية في التدخل أو عدم التدخل لحماية مواطنيها , فهذا الأمر يخضع للسلطة التقديرية المطلقة لدولة الشخص المضرور , دون أن تكون ملزمة بتبرير قرارها بأي طريقة كانت , والفرد لا يستطيع أن يجبر دولته علي ممارسة الحماية الدبلوماسية إذا لحق به ضرر . ومحكمة العدل الدولية أشارت في قضـــــية" برشلونة للقوي المحركة" عام 1970ف , إلي حرية الدولة في ممارسة الحماية الدبلوماسية عندما قررت انه :(( يجب أن يكون للدولة الحرية التامة في تقديرما إذا كانت ستمارس الحماية الدبلوماسية ...., ومدي نطاق هذه الحماية , ومتي ينتهيأجل هذه الحماية ... )) .
2- إن للدولة الحق في التنازل عن حقها في حماية رعاياها سواء بعد وقوع الفعل الضار أو قبل وقوعه , كما لها الحق في التنازل عن دعوى المسئولية الدولية في أي مرحلة من مراحلها , بل والتنازل عن تنفيذ الحكم الصادر لمصلحتها بعد صدوره ,ولا يؤثر في صحة التنازل رضا الفرد موضوع الحماية بالتنازل أو اعتراضه عليه , وإن القرار الذي تتخذه الدولة في هذا الصدد يكون من قبل أعمال السيادة , التي لا يجوز الطعن فيها أمام المحاكم الداخلية .
3- كذلك يترتب علي اعتبار الحماية الدبلوماسية حقا للدولة التي يحمل المضرور جنسيتها , مطلق الحرية في اختيار لحظة تحريك دعوى المسئولية الدولية , وفي اختيار وسيلة تحريكها والجهة القضائية التي تلتجئ إليها .
4- للدولة الحق في التصالح مع الدولة المدعى عليها أياً كانت شروط الصلح وأحكامه , حتى ولو كان من شأنها المساس بحقوق الفرد موضوع الحمــاية أو الإضرار به.
5- إذا ما حكم للدولة المدعية بتعويض , فلها مطلق الحرية في تحديد كيفية التصرف فيه , ولا يوجد في القانون الدولي العام ما يلزم الدولة بتسليم التعويض كلهأ و بعضه للفرد موضوع الحماية , والتعويض في نظر القانون الدولي حق للدولة وليس حق من حقوق الفرد , ومن ثم فلها حرية التصرف فيه علي النحو الذي تراه . ومن خلال ما تقدم فقد أوضحت أن الحماية الدبلوماسية في تكييفها الصحيح , حق للدولة وليست حق للفرد , ويترتب علي هذا التكييف نتيجة منطقية مقتضاها أن التنازل عن الحماية الدبلوماسية من الأمور الجائزة لدولة , ولكنه يكون باطلا إذا وقع من الفرد , في صورة ما يعرف "بشرط كالفوا" , لان الشخص لا يملك التنـــــازلإلا عن حقوقه وحدها دون تلك الثابتة لغيره من الأشخاص , ولذلك سنتطرق إلي بيان"شرط كالفوا" لقد عملت بعض الدول على أن تضمّن العقود العامة التي تبرمها مع الأجانب شرطاً بموجبة يتنازل الأجانب المتعاقدين مع الدول عن حقهم في الحصول على حماية دولتهم فيما يتعلق بتنفيذ العقد , فهذه الدول حاولت تحديد مسؤوليتها الدولية عن الأضرار التي تصيب الأجانب على إقليمها , وتقرير الإعفاء المطلق من تحمل تبعة المسؤولية الدولية سواء تبث التقصير أم لم يثبت , وتتعهد الشركة أو الفرد بمقتضى هذا الشرط , أن تكتفي بطرق التقاضي المحلية , وعدم الالتجاء إلى دولته لممارسة الحماية الدبلوماسية لصالحه , ويعرف هذا الشرط بشرط كالفوا ذلك نسبة إلى"كارلوس كالفو" وزير خارجية الأرجنتين الأسبق وأستاذ القانون الدولي بجامعاتها . 
هذا ومن المعروف أن دول أمريكا اللاتينية كثيراٌ ما تضمن ما تبرمه من عقود مع الأجانب هذا الشرط " شرط كالفوا " , وقد اتخذ هذا الشرط صوراٌ عديدة, أكثرها شيوعاٌ ذلك النص الذي درجت المكسيك علي تضمينه في عقودها مع الأجانب المقيمين على إقليمها, وهذا صورته :(( يعتبر المتعاقد الأجنبي كالوطنين في كل الأمور التي قد يتطلبها أو يثيرها تنفيذ هذا العقد داخل جمهورية المكسيك , ومن ثم ليس له أن يطالب بأية حقوق أو وسائل تقاض , أو تعويض أكثر من الحقوق والوسائل المقررة في قوانين جمهورية المكسيك الخاصة بمواطنيها , كما يقر بعدم الإذن بالتدخل الدبلوماسي من جانب دولته للمطالبة - نيابة عنه - بأي حق من حقوقه تنفيذاً لهذاالعقد )) .
ومن منطلق أن الحماية الدبلوماسية حق للدولة ولكنها ليســـت حــــق للفـــرد , جواز التنازل عنها من قبل الدولة , وبطلانه إذا ما وقــع من الفرد فـــي صـــــورة ما يعرف "بشرط كالفوا" , لان الشخص لا يملك إلا التنازل عن حقوقه وحدها دون تلك الثابتة لغيره من الأشخاص .
وقد استقر القضاء الدولي - بعد تردد لم يطل - على الحكم ببطلان هذا الشرط ,ومن ثم فلم يرتب عليه أيه نتائج على الإطلاق .


أحدث أقدم