شهدت مصر حضارة عريقة وأصيلة وهي الحضارة الفرعونية التي أطلق عليها بحضارة وادي النيل . امتدت قرون عديدة وفرضت سيادتها على مناطق متعددة . وتميزت مصر القديمة بوجود إدارة قوية منظمة تنظيما دقيقا . وأن الملك على رأس الدولة ، وارتباطه بالآلة والكهنة . وحكم مصر العديد من الأسرات حتى وصلت الأسرة الثلاثون من 373 – 341 ق.م. كانت فيها سلطة الملك تضف أحيانا وتقوى أحيانا أخرى . وتعرضت مصر للغزو الفارسي الثاني 341- 332 ق.م. واستطاع الفرس احتلال مصر بأسرها . وكان الاسكندر يقود حملته في آسيا ضد الفرس وكان في معركة أسوس التي هزم فيها " دارا الثالث " ملك الفرس والذي استطاع أن يحرر مصر من الاحتلال الفارسي . ونصب الاسكندر نفسه ملكا على مصر.
نطاق العلاقات الدبلوماسية :
يرى لفيف من الباحثين أن الاتصالات بين الحضارتين القديمتين العراقية والمصرية قد تجسدت في الاتصالات التجارية في عصور ما قبل التاريخ . حيث توجد مناطق عديدة في الشرق القديم شكلت مناطق تماس بين الحضارتين كبلاد الشام وشبه الجزيرة العربية في منطقة المدينة لأنها تمثل ملتقى طرق الاتصال بين وادي الرافدين ووادي النيل. إن العلاقات بين الحضارتين الكبيرتين حضارة وادي الرافدين وحضارة وادي النيل اتسمت تارة بالحروب وأخرى بالعلاقات السلمية ولم يغب عن بالها ضرورة إقامة علاقات تجارية في جميع الأوقات بالنظر لحاجة الحضارتين لبعضهما ولأن الحياة في ذلك تتطلب التعاون بينهما ولهذا فقد كان الاتصال بين الحضارتين أمرا ضروريا وعمليا .
اعتماد اللغة البابلية والخط السومري في الدبلوماسية :
كان انتشار اللغة البابلية وتقدمها وتطورها قد فرض على جميع الدول التي حكمت وادي الرافدين أن تعتمد هذه اللغة وأن تستخدمها في مراسلاتها الدبلوماسية لدرجة أنها أصبحت لغة عالمية في ذلك تستعمل من قبل الدول الأخرى في التخاطب فيما بينها . فعلى الرغم من سقوط الدولة البابلية ومجيء العديد من الدول ، إلا أن اللغة البابلية والخط المسماري السومري فرض نفسه على الدول في حضارة وادي الرافدين والدول الأخرى .
ففي عهد " تحتمس الثالث " الذي حكم " 1483 – 1450 " ق.م. ساد السلام منطقة الشرق القديم زهاء قرن فنعم الشرق القديم خلال هذه المرحلة بالاستقرار السياسي وقامت فيها علاقات مفعمة بالود الصادق والمحبة والتعاون بين فراعنة مصر وملوك الأمم المجاورة هي الأولى من نوعها في التاريخ القديم. فقد تم العثور على العديد من المراسلات التي كان يتبادلها الملوك منها مراسلات دبلوماسية بين ملوك بابل وفراعنة مصر . وكانت اللغة البابلية اللغة الدبلوماسية الدولية . وكان فراعنة مصر يكتبون مراسلاتهم إلى الدولة البابلية باللغة البابلية . كما عثر على العديد من المراسلات الدبلوماسية بين ملوك مصر والحثيين والآشوريين واللكشيين والبابليين تدل على لجوء هذه الدولة إلى استخدام الأساليب الدبلوماسية لتسوية منازعاتهم .
الأحلاف والمعاهدات :
برز تأثير الاستقرار والرغبة في تطوير العلاقات السياسية والتجارية التي أخذت تنشط في ربوع المنطقة وبخاصة بين المصريين والحثيين . وتقدم معاهدة " قادش " كمثال على مستوى التعامل السياسي بين دول المنطقة ، فقد أبرمت بين ملكين على قدم المساواة " رمسيس الثاني " الفرعوني و " حاتوسيل الثالث " ملك الحثيين في القرن الثالث عشر قبل الميلاد وبالذات عام 1278 ق.م. والتي بموجبها أقيم التوازن بالقوى بين الطرفين في الأراضي السورية . ونقشت المعاهدة على الفضة ووقع كل ملك على نسخته ثم تبادلا النسخ . وكانت لتلك المعاهدة ديباجتها التي نص على استئناف العلاقات الودية بين الملكين، وعلى التعاهد وضمان حرمة دولتيهما . وتضمن المتن موضوعات هامة كالاعتراف بوراثة العرش وتجديد التعاهد والحلف الدفاعي والعمل المشترك ضد الثوار ، وتسليم المجرمين السياسيين .
واهم مبادئ معاهدة قادش :
1- أهمية المبعوثين و الرسل والاعتراف بمركزهم في تحقيق السياسة الخارجية .
2- التأكيد على إقامة علاقات ودية وإشاعة السلام القائم على ضمان حرمة أراضي الدواتين وتحديد التحالف و الدفاع المشترك .
3- مبدأ رعاية الآلهة للعهد كقسم وتحريم النكث بالعهد.
4- مبدأ تسليم المجرمين والعفو عنهم إنما دون تمييز بين المجرم العادي و المجرم السياسي.
وتبرز أهمية هذه المعاهدة في تاريخ العلاقات الدولية في ثلاث أمور:
1- هذه المعاهدة تعتبر أقدم وثيقة مكتوبة حتى الآن في تاريخ القانون الدولي .
2- هذه المعاهدة بقيت حتى العصور الوسطى النموذج المتبع في صياغة المعاهدات لما تضمنته من مقدمات ومتن وختم .
3- هذه المعاهدة ترسم صورة أمينة عن أوضاع الممالك في الشرق القديم وعن كيفية انصهار الدولة بشخص الحاكم اوالملك.
مظاهر تطور الدبلوماسية بين الحضارات القديمة :
يمكن أن نستدل على أن الدول التي سكنت وادي الرافدين والنيل قد استخدمت الدبلوماسية . ويشير علماء الآثار إلى أن الموارد التاريخية التي أكتشفت أثبتت وجود علاقات دولية بين هذه الدول .
وطبقت قواعد دبلوماسية متطورة منها ما يلي :
1. تبادل الهدايا بين الملوك :
إن تبادل الهدايا بين الملوك يدل على وجود علاقات دبلوماسية متطورة . وإن رؤساء الدول يتبادلون الهدايا بينهم خاصة عندما يرسل مبعوثين بعضهم للبعض الآخر . فقد تم العثور على هدايا بين ملوك وادي الرافدين وملوك النيل . وقد تبادل الملوك القدماء الهدايا فيما بينهم لتعزيز الروابط السياسية والاقتصادية والعسكرية . وكان تبادل الهدايا يدل على عمق العلاقات الدبلوماسية المتطورة بين ملوك الدول . كما تبادل الملوك التحف الثمينة والأحجار الكريمة والحيوانات النادرة.
2. الزواج السياسي :
يقصد بالزواج السياسي التقارب بين الملوك عن طريق الزواج . وإن الهدف من هذا الزواج ليس الزواج ذاته وإنما من أجل التقرب بين الملوك وإقامة علاقات متطورة لما يخلفه الزواج السياسي من مصاهره وقرابة يمنع الحروب بينهما وكان الزواج السياسي مستخدما بين ملوك أوروبا حتى وقت قريب .
3. التمثيل الدبلوماسي المؤقت والدائم :
يعد تبادل التمثيل الدبلوماسي من أهم المظاهر الدبلوماسية . غير أن التمثيل المعتمد والغالب في ذلك الوقت هو التمثيل المؤقت وما يطلق عليه في الوقت الحاضر بالبعثات الخاصة التي تنتهي بانتهاء مهمتها . أما التمثيل الدائم فهو غير معروف في أوروبا حتى وقت قريب . غير أن المصادر التاريخية تشير إلى أن ملوك وادي الرافدين والنيل عرفوا التمثيل الدائم بينهما كما عرفوا التمثيل المؤقت . فقد تبادل ملوك وادي الرافدين السفراء والرسل مع ملوك وادي النيل وهذا يكشف عن حجم العلاقات الدبلوماسية بين الدولتين . حيث تشير الآثار القديمة بوجود ممثلين دائمين للدول الأجنبية في بلاط الملوك ويدل على وجود علاقات دبلوماسية متطورة بشكل متميز بين هذه الدول .