العلاقات الدبلوماسية في حضارة وادي الرافدين | المكتبة الدبلوماسية

العلاقات الدبلوماسية في حضارة وادي الرافدين


عرفت حضارة وادي الرافدين أول مفهوم للدولة في التاريخ البشري . فقد ظهرت فيه الدولة المنظمة التي استخدمت الوسائل الحديثة في بسط سلطتها على الإمارات والأقاليم التابعة لها وإقامة تحالفات وعقد معاهدات السلام وعدم التعدي . كما شهدت هذه الحضارة الحروب الدامية واستخدمت الوسائل الدبلوماسية الحديثة لوقف هذه الحروب وتسوية المنازعات الناشئة بينها بالوسائل السلمية . وقد تميزت حضارة وادي الرافدين بتعدد الدول فيها أحيان كثيرة وبسيطرة دولة واحدة في أحيان أخرى ، وهو أمر يتطلب إقامة تحالفات وعقد العديد من المعاهدات بين هذه الدول وتبادل الرسل والبعثات الدبلوماسية وقتي السلم والحرب. ومن أبرز دول حضارة وادي الرافدين هي الدولة السومرية والدولة البابلية القديمة والدولة الآشورية .

أولا : الدولة السومرية : 
ظهر السومريين على مسرح الحضارة في العراق منذ مطلع الألف الثالث قبل الميلاد حتى القرن الرابع والعشرين قبل الميلاد .وقد تميزت حضارة الدولة السومرية بالنظم والقواعد القانونية ، حيث عقدت العديد من المعاهدات في العديد من المجالات . وقد عثر على أقدم معاهدة في التاريخ . وهي المعاهدة المعقودة بين دولة مدنية ( كلش) ودولة مدنية (أوما) المجاورة سنة 3100 ق.م حيث نقشت على نصب حجري باللغة المسمارية ، وتضمنت النص الذي أكد على وجوب احترام الحدود التي اعترف بها شعب (أوما)، مقروناً بقسم لبعض كهنة سامراء ، كما تضمنت تلك المعاهدة شرطاً على التحكيم لحل المنازعات التي تثور بسبب الحدود بين الطرفين . ويتضح من ذلك أن هذا العصر شهد أول تطبيق للمعاهدات الدبلوماسية المكتوبة المعقودة بين الدول .
وتعد حضارة وادي الرافدين أول من اكتشف الكتابة في التاريخ الإنساني ، واستخدمت في المخاطبات الدبلوماسية ، والتي لا تزال من أهم القنوات الدبلوماسية المستخدمة بين الدول ، ففيها تكتب المذكرات الدبلوماسية والمعاهدات . وكانت الدولة السومرية أول من اخترع الكتابة . وعلى الرغم من ظهور الكتابة في العديد من الدول بعد ذلك فإنها لم تستغن عن الحرف المسماري . فقد استخدم الخط المسماري في المخاطبات بين الدول القديمة . وكتبت المذكرات الدبلوماسية بالخط المسماري رغم اختلاف لغات ولهجات الدول .

ثانيا : الدولة البابلية : 
تعد الدولة البابلية أول دولة في التاريخ الإنساني تطبق القواعد الدبلوماسية في تعاملها مع الدول الأجنبية ، وخاصة تلك القواعد المتعلقة بالاستقبال الدبلوماسي في تعاملها مع الدول الأجنبية . وهي أول من عرف النظام البريدي الذي يعد قاعدة أساسية في العلاقات الدبلوماسية معمولا به .وبموجب هذا البريد يستطيع رئيس الدولة الإطلاع على كافة أحوال دولته والمدن الخاضعة له والدول الأعداء ، وما يحصل فيها من تطورات .وقد إقتبس الفرس واليونان نظام البريد الذي كان مطبقا في دولة بابل . كما انتقل هذا النظام إلى الدولة العربية والإسلامية .
وكان ملوك بابل يعقدون الأحلاف مع الدول الأخرى . وقد عثر المنقبون على معاهدة حلف في عهد حمورابي ضمت أقوى الأعداء لبابل . كما عمد ملوك بابل إلى عقد معاهدات هدنة وسلام من أجل التخلص من آثار الحرب والتفرغ من أجل البناء والإعمار. ويعتقد بأن العلاقات الدبلوماسية التي كانت بين الدولة البابلية والمقاطعات الخاضعة لحمايتها والدول الأجنبية إنما تعتمد العدالة أساسا في علاقاتها الدولية .

ثالثا : الدولة الآشورية : 
عندما أسس الكاشيون ( البابليون ) دولتهم المستقلة في بلاد بابل . كان الجزء الشمالي من العراق تحت حكم الأشوريين . وكانت علاقة الكاشيين بالملوك الأشوريين تتراوح بين السلم والحرب وكانت حدود الدولتين تتغير باستمرار . وكان الملك الآشوري تكلاثبلز الثالث 745 – 727 ق.م. يبعث بممثله الشخصي لاستطلاع الأحوال والاتصال بالملوك والحكام في الأقاليم . وكان ممثله الشخصي يرفع له التقارير السرية. ويمتلك الحرية التامة لمعالجة القضايا الهامة . وقد تمكن الملك الآشوري تكلاثبلز الثالث من الترحيل الجماعي للأجانب غير المرغوب فيهم لإيمانه بأن ترحيلهم أنجح وسيلة لمنع التمرد وعصيان الأوامر . 
وتعمل الدول في الوقت الحاضر عند حصول منازعات على طرد الأجانب العائدين للطرف الآخر. أو على الأقل تقييد حريتهم . وقد تطورت التجارة الخارجية في الدولة الآشورية . وأقام الآشوريون الأحلاف والمعاهدات مع الدول الصديقة والحليفة الخاضعة والتابعة . واهتموا بحماية المبعوثين الدبلوماسيين الأجانب ، في الوقت الذي كان المبعوثين الدبلوماسيين في أوروبا لا يتمتعون بحماية دبلوماسية حتى عهد قريب . 


أحدث أقدم