العلاقات الدبلوماسية في الإمبراطورية العثمانية | المكتبة الدبلوماسية

العلاقات الدبلوماسية في الإمبراطورية العثمانية


تعرضت الحضارة العربية الإسلامية لانتكاسة على يد الجيش التتري بقيادة " هولاكو " عام 1258م، الذي احل الخراب في مدينة بغداد ووضع نهاية مؤلمة للدولة العباسية التي كانت بغداد عاصمتها. فلم يعد هناك مجالاً للتحدث فيه عن الدبلوماسية في الفترة اللاحقة للحكم العباسي لاستمرار احتدام الحروب والاضطرابات الداخلية، حيث اتجه هولاكو وأحفاده من بعده إلى محاولة تصفية الحضارة العربية الإسلامية التي سادت قيمها الإنسانية والأخلاقية العالم كله آنذاك.
وكان الأتراك اعتنقوا الإسلام في عهد الدولة العباسية وكان نفوذهم واضح على سياسة الدولة العباسية. وتولوا مناصب مهمة فيها. واستطاعوا أن يؤسسوا دولة في آسيا الوسطى وتوسعوا على حساب الدولة البيزنطية وتمكنوا من فتح القسطنطينية في عهد السلطان محمد الفاتح وأصبحت عاصمة الدولة العثمانية. واستطاع السلطان محمد الفاتح أن يفتح مناطق مختلفة من أوروبا شملت العرب والبوسنة والبانيا والهرسك.
وعلى الرغم من اتسام علاقات الدولة العثمانية الدولية بالحروب فقد أقامت علاقات دبلوماسية متطورة وعقدت معاهدات عديدة مع الدول المجاورة.
فقد تمكن السلطان محمد الفاتح من التقدم لفتح البندقية فانزل بجيشها الهزيمة. واضطرت البندقية إلى عقد الصلح وعقدت معاهدة 1479م التي وافقت فيها أن تدفع للسلطان العثماني مبلغاً كبيراً كتعويض عن الحرب وضريبة سنوية مقابل تنازل السلطان عن السيطرة على عدة مدن قام بفتحها.
ويعد السلطان سليمان العظيم من أهم سلاطين الدولة العثمانية، وقد نشبت في عهده العديد من الحروب مع أوروبا وتقدمت جيوشه لمحاصرة النمسا. مما دفع " فريناند " امبراطور النمسا إلى عقد صلح مع سليمان عام 1523واعترف له فيه بالسيادة على المجر.
وعقد السلطان سليمان معاهدة صداقة مع فرانسو الأول ملك فرنسا في عام 1536 ليتعاونا سوياً ضد شارل الخامس. وقد توطدت الصداقة بين الدولة العثمانية وفرنسا وقامت أساطيلها بهجمات مشتركة على ثغور ايطاليا واسبانيا ووصل التعاون البحري بين الدولتين إلى درجة أن فرنسا في شتاء عام 1543م وضعت ميناء طولون الفرنسي تحت تصرف خير الدين وسفنه ورجاله ليجعل منه قاعدة بحرية يشن منها الهجمات على أساطيل شارل الخامس. ونجح العثمانيون في السنوات التالية من طرد قوات شارل الخامس من ثغور شمال إفريقيا.

وقد مرت الدولة العثمانية بمرحلتين:
الأولى: وهي مرحلة التوجه العثماني نحو فتح أوروبا.
الثانية: التوجه العثماني نحو الشرق وتوسيع الدولة العثمانية لتشمل الوطن العربي.
وبالنظر إلى أن الوطن العربي قد خضع للدولة العثمانية 1530-1914 لذا فقد طبق عليه ما طبق في الدولة العثمانية من علاقات دبلوماسية ومعاهدات عقدها العثمانيين مع الدول الأخرى.
ونظراً لاتساع الدولة العثمانية وتطور علاقاتها الدبلوماسية مع الدول الأخرى عقد العثمانيون العديد من المعاهدات مع الدول الأجنبية كان في مقدمتها معاهدة عام 1535 مع فرنسا في عهد السلطان سليمان القانوني ألزمت فيها الدولة العثمانية بمنح فرنسا امتيازات متعددة وخاصة في شؤون القضاء. حيث يكون لممثل فرنسا الولاية الكاملة في مقاضاة الفرنسيين في المناطق الخاضعة للدولة العثمانية في القضايا المدنية والجزائية وصلاحية تنفيذ الأحكام الصادرة من محاكمها في صورة محاكم خاصة يطلق عليها "المحاكم القنصلية ". أما إذا كان احد أطراف الدعوى من رعايا الدولة العثمانية فان الدعوى تخضع لمحاكم خاصة في الاستانة. 
وقد أقام الفرنسيون علاقات دبلوماسية مع الدولة العثمانية فكان لهم سفيراً في الاستانة وهو "دي جرميني". وفي عام 1583 عينت بريطانيا " هاربون" سفيراً لها في الدولة العثمانية واستقبله السلطان مراد الثالث استقبالاً حافلاً. وقد بعث السفير البريطاني بالقناصل إلى القاهرة والإسكندرية والقدس ودمشق وحلب وطرابلس. وانشأ القياصرة الروس قنصليات لهم في عدد من المدن العراقية في القرن التاسع عشر، فعين "كروجلر" عام 1897م قنصلاً روسياً في بغداد.
وبصورة عامة كانت الحكومة العثمانية في الاستانة تعترف للمبعوثين الدبلوماسيين الذين تعينهم دولهم كممثلين لها في بغداد ببعض الامتيازات والحصانات كما يظهر ذلك من الأوامر الخاصة بقبول اعتمادهم.

 ومن هذه الامتيازات ما يأتي: 
1) أن ترفع البعثة الدبلوماسية علم دولتها.
2) الإعفاء من الضرائب المفروضة على البضائع التي تجلب معهم ومن الضرائب المحلية .
3) التمتع بالحصانة الجزائية القنصلية.
4) صيانة شخصية المبعوث الدبلوماسي وعدم الاعتداء عليه.

ومنحت الدولة العثمانية الامتيازات القنصلية لرعايا الدول الأجنبية في الأراضي العثمانية طبقاً لاتفاقيات عقدت لهذه الفرض. وقد ساهمت هذه الاتفاقيات التي عقدتها الدولة العثمانية مع الدول الأوروبية في إضعاف الدولة العثمانية من خلال تثبيت الوجود الغربي في الدولة العثمانية وتفتيتها من الداخل. فأصبحت الممثليات القنصلية محاكم يلجأ إليها رعايا الدولة العثمانية لتسوية مشاكلهم. مما جعلها تتدخل في شؤونها الداخلية . 
وقد دخلت الدولة العثمانية الحرب العالمية الأولى وخسرت الحرب وتوزعت ممتلكاتها على الدولة المنتصرة بموجب معاهدة لوزان عام 1923م.


Plus récente Plus ancienne