تشترك اللغة الدبلوماسية في مصطلحاتها مع العديد من
العلوم
والفنون رغم اختلاف دلالات كلٍ منها. فالقلقْ مثلاً في علم النفس؛ عبارة
عن حالة
نفسية مَرَضيّة انعكاساً لمؤثرٍ خارجيٍِ مجهول، وفي مفهوم الأدب ( الشعر
والروايّة ) يُعتبر القلق من المشاعر الجميلة التي ُتلهب القريحة
الأدبية، وفي
الفلسفة يُعد القلق من أهمِّ مصادر المعرفة؛ كما يقول الفيلسوف الألماني
شوبنهور
"حينما لا أَجدُ ما يُقلقني فهذا بحدِّ ذاته يُقلقني!"
"حينما لا أَجدُ ما يُقلقني فهذا بحدِّ ذاته يُقلقني!"
كذلك القلقْ في الدبلوماسية، نستشعره ضمن عبارات يُصرح
بها
الدبلوماسيون
وتتناقلها وسائل الإعلام في السِلم والحرب على حدٍ سواء:
" إننا نشعـر بقلقٍ حيال ما يجري" أو "إننا نشعـر بقلقٍ شديد حيال تصرفات دولــةٍ ما..".
" إننا نشعـر بقلقٍ حيال ما يجري" أو "إننا نشعـر بقلقٍ شديد حيال تصرفات دولــةٍ ما..".
ولكن لِمَ يتداول الدبلوماسيون عبارات رقيقة مُنّمقـة
كتلك؛ لا
تَمتص –غالباً- غَضبَ الشارع ولا تُجاري عِظَم المطالب؟!
فـي الحقيقـة؛ إن اللغة الدبلوماسية وإن كانت تتميز
بالرقة
والمجاملة إلا أنها لغة ذات معانٍ عميقـة ودلالاتٍ محددة، فحينما يستخدم
الدبلوماسي عبارات تُعبر عن
"القلق"
تجاه
قضية معينة أو تصرفات دولة ما؛ فالذي يعنيه بالضبط؛ هو أن دولتـه ستتخذ
مواقف
قاطعة وصارمة قد تصل أحياناً إلى شن حرب
عسكرية!
كما قد يستخدم الدبلوماسي عبارات تتدرج من القلق إلى التوتر و قد تصل إلى
التنديد
والتهديد: " كالتهديد بقطع العلاقات الدبلوماسية أو سحب السفير" أو تلك
العبارة
التي تزرع الخوف وتوقع المباغتة " نحتفظ بحقنا في الرد المناسب" وقد يصل
الرد هذا
إلى حرب شرسة.
كذلك حين يُصرح الدبلوماسي
"
بأن دولته لديها رأي مشروط
أو تحفظات عديدة حيال أمر ما
"
فهو يعني بذلك أنها لا توافق على الأمر برمته.
أما
العبارة الأشهر في السلك الدبلوماسي وعلى مستوى العالم
هـي
العبارة اللاتينية"persona
non grata
أي "شخص غير
مرغوبٍ فيـه" وتعني طرد الموظف الدبلوماسي من قِبل البلد
المُضيف
عقوبـةً على تصرفاتِه غير اللائقة أو العدائية سيما حين تُشّكل جريمة
قانونية؛ أو
خروجاً صارخاً على مقتضيات مهامه ووظيفته الدبلوماسية.
إن رقـة الألفاظ الممزوجة بالقلق يفهمها الدبلوماسيون
والسياسيون
المسؤولون عن السياسة الخارجية بكل سهولة، في حين يجدها الفرد العادي
تعبيرات
سطحية لأنه لا يدرك حقيقة مغزاها، بل كثيراً ما كان التندر و السخرية من
مواقف
دبلوماسية تُعبر عن شعورها بقلق شديد، وأن الحل في ذلك هو تناول
الباندول
!
إن قلق الدبلوماسية هو قلق دولة كاملة؛ بحكومتها، وسلطاتها، وقواتها
العسكرية.
هو شعور يستدعي حل مشكلة طارئة، هو إستنفارٌ قد يُغير في قوته وجه
الخارطة
السياسية وأحداث التاريخ !..
ويبقى الدبلوماسي المتمرس حقاً "من يُدرك مغزى المصطلحات حتى وان لم ينطق
بها".
أدام الله الدبلوماسية بكل رقــة وكفاها شرَّ القلق.
التسميات :
كتب دبلوماسية