اليعاقبة

اليعاقبة أو اليعقوبيون: جماعة سياسية متطرفة عرفت بنشاطها الإرهابي خلال الثورة الفرنسية.

 بعد اقتحام الباستيل، تداعى عدد من عناصر الثورة إلى اجتماع لتأليف رابطة  ستعرف   فيما بعد بـ"نادي اليعاقبة"، وهي الجماعة الثوريّة التي ضمّت سياسيين وصحافيين ومواطنين، عقدوا العزم على بلورة مبادئ تلك الثورة.

اشترك هؤلاء اليعاقبة بملامح إيديولوجيّة عدّة. وقد قسّموا العالم إلى فئتين، من مؤيّدي الثورة ومناوئيها ـ أنصار التحرّر في مواجهة أعدائه. فالثورة الفرنسيّة كما فهموها، مثّلت ذلك الحدث العظيم الذي سيقرّر ما إذا كان التحرّر سيسود الكوكب أم أن العالم سيعود أدراجه ليرزح تحت الطغيان والاستبداد.

لم تكن التحدّيات لتبلغ مراتب أعلى، ولم يكن ثمّة مجال للبس والتردّد أمام أمور كهذه. فالمرء إمّا أن يكون نصيراً للثورة، أم نصيراً للطغيان.

في عام 1792 كانت فرنسا قد بدأت تواجه عدائيّة بلدان تجاورها، وتخوض إذّاك في سجال داخلي حول كيفيّة الرد على تلك العدائيّة. انقسم اليعاقبة إزاء السجال المذكور، وتميّز موقف الصحافي والقائد السياسي جاك ـ بيير بريسو دو وارفيل، الذي نادى بالحرب.

الحرب بالنسبة لبريسو كانت حرباً احترازيّة، أو حرباً دفاعيّة كما سمّاها، وذلك بغية إلحاق الهزيمة بالقوى الاستبداديّة الأوروبيّة، قبل أن تقوم هذه الأخيرة بتنظيم هجومها المضاد للثورة. الحرب، بحسب بريسو، "لن تكون حرب إخضاع، بل حرب بين التحرّر والطغيان".

ارتأى اليعاقبة المناصرون للحرب أن رسالتهم لا تنحصر في أمّة واحدة، ولا حتّى في قارة واحدة. فرسالتهم تلك هي، بكلام بريسو، "حملة للتحرّر الأممي".

معارضو بريسو ذاك ساورهم الشكّ. إذ أنّ "أحداً لا يحبّذ الحملات العسكريّة"، كما أعلن روبيسبيير بكلمات لا تبدو أكثر ملاءمة للحال السائدة اليوم. ولم يمضِ وقت طويل على اجتياح النمسا حتّى استدار زحف الجيش بسرعة نحو فرنسا.

الولايات المتّحدة آنذاك، "الجمهوريّة الشقيقة" لفرنسا، رفضت دخول الحرب إلى جانب هذه الأخيرة. وقد بدا الأمر بالنسبة للفرنسيين بمثابة موقف عاقّ مثير للحنق، يصدر عن أمّة فتيّة، سبق لهم، وبشهامة خلال حرب مضت، إنقاذها من الاحتلال الأجنبي.

في مواجهة أوروبا الملكيّة التي توحّدت ضد فرنسا الثورة ـ "أوروبا القديمة"، كما كان لهم أن يسمّوها ـ عمل اليعاقبة على اجتثاث المعارضين السياسيين في الداخل. وكان ذلك بمثابة مقدّمة للحقبة التي ستعرف فيما بعد بحقبة الإرهاب.

أول انتصارات اليعاقبة تمثّل في قدرتهم على تجييش الشعارات الوطنيّة. الصحيفة التي أسسها بريسو حملت اسم Le Patriote Francais. وعمل اليعاقبة على الترويج لبرنامجهم السياسي بواسطة شبكة، بالغة الترابط، من الصحف والمناشير السياسيّة وأندية السياسيين وكتبة البيانات.

حتّى أن اليعاقبة هؤلاء قاموا بارتداء أزياء خاصّة. "الوطنيّون الحقيقيّون" هم من يرتدون الرموز الوطنيّة، كقبّعة الحرّية على الرؤوس، وهم من يضعون الورديّة المثلّثة الألوان (الأحمر والأبيض والأزرق) على قبعاتهم، أو حتّى على طيّات ستراتهم.

بإصرارهم على أن آرائهم الحزبيّة هي أفضل تعبير عن الإرادة الوطنيّة، وبإيمانهم أنّ إنقاذ فرنسا من الخراب الموعود لا يمكن أن يتمّ إلا على يدهم، لم يستطع اليعاقبة تصوّر أيّة معارضة مشروعة. المعارضون السياسيّون بنظرهم اعتبروا خونة، يطعنون فرنسا والثورة في الظهر.

للدفاع عن الأمّة في وجه أعدائها، وسّع اليعاقبة سلطة الشرطة الحكوميّة على حساب الحريّات المدنيّة، وقاموا بمنح الدولة سلطة اعتقال الأشخاص المشتبه بهم والتحقيق معهم وسجنهم من دون أيّة عمليّة إجرائيّة. وقد شرّعت في عام 1792 ممارسات كالمداهمات الشاملة المفتقرة إلى أيّة ضمانات ـ "زيارات البيوت"، كما أطلق عليها ـ وذلك "حين كان الوطن مهدداً"، بحسب تعبير جورج دانتون، زعيم اليعاقبة.

روبيسبيير ـ الذي يعتبر اليوم أحد رموز جماعة اليعاقبة بشقّها المسلّح ـ قام بإدانة "التلميحات الخائنة" التي بدرت من الذين ساءلوا تلك "التدابير البالغة الصرامة التي تدّعي الحرص على المصلحة العامة". فوجّه تحذيراً لمناوئيه السياسيين، معلناً أن "التدابير" المذكورة "ليست سوى تنبيه للمتآمرين ولأعداء التحرّر".

التدابير تلك، كما الآن، أقرّ تطبيقها لحماية الأمّة ـ وبالطبع لحماية الحرّيّة بحدّ ذاتها.

إن كان ثمّة شعار مناسب لتلك الحقبة، حقبة الإرهاب الفرنسيّة، فهو ذاك الشعار الذي ينسب للخطيب العظيم لويس دي سان ـ جوست: "لا حرّية لأعداء الحرّيّة". شعار سان ـ جوست ذاك (المشابه لكلام بوش القائل: "علينا أن لا نسمح للأعداء الخارجيين باستعمال مظاهر الحرّية لتدمير الحرّية ذاتها" قد يشكّل بمضمونه المعنى المناقض تماماً لتراث الحرّيّة الغربي.

وفاقاً لهذا المبدأ، عمل الإرهاب على أبلسة مناوئيه السياسيين، فسجن الأعداء المفترضين من دون أيّة محاكمة، وفي النهاية ساق الآلاف إلى المقصلة. إنّ هذه الممارسات جميعها انبثقت من رؤية اليعاقبة للعالم التي رأت أن أعداء الحرّية لا يستحقّون أيّة حقوق.

رغم استحواذه على المزيد من الاهتمام في السنوات الأخيرة، فإن أصل مصطلح "إرهابي" شهد المزيد من الإغفال على يد السياسيين والدارسين على حدّ سواء. المصطلح المذكور ابتكر في الثورة الفرنسيّة، وهو لا يشير إلى أولئك الذين يكرهون الحرّيّة، ولا إلى الخارجين على فكرة الدولة، ولا إلى "الفاشيّة الإسلامويّة" بطبيعة الحال.

الإرهابي، Terroriste، هو، بمعناه الأصلي، الزعيم اليعقوبي الذي حكم فرنسا إبّان حقبة الإرهاب (La Terreur).

المصادر:

1- 

من ويكيبيديا، الموسوعة الحرة.

2-

http://www.almustaqbal.com/nawafez.aspx?StoryID=259532