المحددات الدولية للاستقرار السياسي في اليمن (نهاية الحرب الباردة والاستقرار السياسي في اليمن) | المكتبة الدبلوماسية

المحددات الدولية للاستقرار السياسي في اليمن (نهاية الحرب الباردة والاستقرار السياسي في اليمن)


      نتج عن انتهاء القطبية الثنائية, وأفول عصر الحرب الباردة, أن تغير هيكل النظام الدولي من القطبية الثنائية إلى سيطرة قطب واحد على السياسية الدولية, ويعد النظام الدولي واحدا من المحددات الرئيسية والمؤثرة على العلاقات بين القوى الكبرى والدول الصغرى , فحرية الحركة التي تتمتع بها الدول الصغرى تتوقف على هيكل النظام الدولي أو طبيعة العلاقات السائدة على قمته, ويمتد هذه التأثير إلى العلاقة بين القوى والأطراف السياسية داخل الوحدة الدولية نفسها.




      ويتحدد الشكل البنيوي للنظام الدولي القائم على أساس القطبية الأحادية بانفراد دولة واحدة بعناصر القوى والنفوذ, نتيجة التمركز الشديد للموارد والإمكانيات المتاحة وعلى نحو يجعل منها وحدة دولية متفوقة بكل مقاييس عصرها على بقية الوحدات الدولية التي يتألف منها النظام الدولي ([1]) ونتيجة التغير في هيكل النظام الدولي في أوائل عقد التسعينات وسيطرة الولايات المتحدة الأمريكية على السياسية الدولية, كانت الأنظمة العربية من أكثر الأنظمة الإقليمية عرضة للتأثير بعد انتهاء الحرب الباردة على الصعيدين البنيوي والقيمي, و يتميز النظام العربي عن بقية الأنظمة الأخرى انه البيئة التي احتضنت أحداث حرب الخليج.
      حملت التطورات التي أتت بها نهاية الحرب الباردة وتغير بنية النظام السياسي الدولي الكثير من الفرص, ومثلها من الإشكاليات, التي أثرت على الاستقرار في اليمن, ومن الايجابيات التي حصدها اليمن من التغيير في بنية النظام السياسي الدولي ما يلي :
1ـ كان لنهاية الدور السوفيتي إيذانا بنهاية الصراع بين شطري اليمن, وانتهت أهم المعيقات أمام تحقيق الوحدة اليمنية ([2])
2ـ غلبت الإدارة الأمريكية المصالح الإستراتجية في دعم إجراءات إتمام الوحدة, لان النظرة الإستراتيجية الأمريكية رأت بان عدم قيام الوحدة سيؤدي إلى استمرار الصراع بين الشطرين ويسبب حالة عدم استقرار في جنوب شبة الجزيرة العربية, كما أن قيام الوحدة سوف يقضي على ما تبقى من توجهات راديكالية في جنوب اليمن ذات التوجهات الماركسية,  وفي هذا الاتجاه قامت الولايات المتحدة في أبريل عام 1990م بإعادة علاقاتها من جنوب اليمن في إشارة إلى تأييدها للوحدة اليمنية, واعتراف مسبق بالجمهورية اليمنية, واستمر هذا التأييد بعد الأزمة الخانقة التي واجهت اليمن بعد انتخابات عام 1993م, وأثناء حرب صيف 94م على الرغم من ما سببته أزمة الخليج وموقف اليمن منها, وموقف حلفاء واشنطن في المنطقة الداعم للانفصال
      وتصادمت في تلك الأزمة إرادتان, إقليمية ممثلة في دول الخليج باستثناء دولة قطر التي أيدت استمرار الوحدة, وإرادة دولية مثلها الموقف الأمريكي الذي بعث للقوى الإقليمية عدة رسائل في هذا الشأن, منها ما يحذر دول الخليج من الاعتراف بالدولة الجنوبية, كما منعت سفينتين مصريتين كانتا محملتين بالسلاح إلى عدن, وحذرت الولايات المتحدة حلفائها في الخليج من إرسال أسلحة إلى الطرفين المتحاربين ([3])
      وعلى الرغم من تلك الفرص التي حصدها اليمن نتيجة سقوط الاتحاد السوفيتي وانتهاء الحرب الباردة,إلا أن اليمن مثله مثل أي دولة من العامل الثالث التي تعاني من الضعف وشح الموارد فقد عانت من محدودية الخيارات وحرية الحركة التي حرمت منها مثلها مثل أي دولة ضعيفة أخرى والتي كانت تتوفر في ظل نظام القطبية الثنائية, ومن هذه الإشكاليات التي واجهت اليمن ما يلي :
(أ) تعاملت الدول الفاعلة في النظام الدولي وفي مقدمتها الولايات المتحدة, والاتحاد الأوربي مع التحول الديمقراطي, وقضايا حقوق الإنسان, والحريات بمنظور مصلحي,  حيث يتذبذب موقف هذه الدول من تلك القضايا حسب علاقتها بالأنظمة الحاكمة, وما يتعلق بمصالحها فالأنظمة التي لا يتوافق سلوكها السياسي مع مصالح الدول الكبرى تكون مطالبة بتطبيق النظام الديمقراطي, وحماية الحريات, وحقوق الإنسان
 بينما تغض الطرف عن الأنظمة التي يتوافق سلوكها مع مصالحها, ويظهر ذلك بوضوح في ما يحدث في العالم العربي اليوم حيث تؤيد الدول الغربية الثورات العربية, والتحولات نحو الديمقراطية في الدول التي لا ترتبط معها بمصالح إستراتيجية بينما تغض الطرف عن دول حليفة لها مثل دول الخليج العربي.
(ب) اشترط الأمريكيون منذ السنوات الأولى من الوحدة اليمنية الأخذ بالنظام الديمقراطي مع عدم تصديره إلى الخارج وتحديدا المملكة العربية السعودية, كما أن الدعم الأمريكي للديمقراطية في اليمن لا يتصف بالدوام, وإنما يخضع للمستجدات التي تؤثر على مصالحة, حيث بدأ قويا حتى عام 1998م ثم بدا بالتراجع, و يعود ذلك إلى بداية الإعمال الإرهابية في اليمن, ووصل هذا التراجع إلى أقصاه بعد أحداث 11 سبتمبر حيث فضلت الولايات المتحدة الأمريكية الاهتمام بالجوانب الأمنية والحرب على الإرهاب بدلا عن الديمقراطية
(ج) بعد أزمة الخليج الثانية عانت اليمن كثيرا من جراء هيمنة قطب واحد على السياسية الدولية حيث مارست الولايات المتحدة وحلفائها على اليمن ضغوطات اقتصادية, وسياسية كبيرة وكانت الخيارات أمام اليمن محدودة, نتيجة غياب التوازن الدولي, وهيمنه الولايات المتحدة على جميع الوحدات الدولية الأخرى التي قد تمثل من خلال العلاقة معها فرصة للمناورة وفك الضغط الاقتصادي.
(د) بعد حرب 94م مارست المملكة العربية السعودية حليفة القطب الأوحد في العالم ضغوطات اقتصادية, وسياسية على اليمن في سياسية هادفة إلى إخضاع اليمن للتسليم بالأمر الواقع فيما يتعلق بقضية الحدود. وكانت اليمن قادرة على المناورة في هذا الملف فيما لو كان هناك قطبا أخر في العالم. وأعطت الولايات المتحدة حليفتها السعودية مجال في هذا الشأن ولم تتحرك في اتجاه حل الأزمة, إلا بعد أن رأت بان حلها يخدم مصالح اكبر تتعلق بتهدئة الأوضاع في المنطقة استعدادا لاحتلال العراق والذي حدث عام 2003م
وفيما عدا تلك الايجابيات التي حصدتها اليمن من خلال تغير النظام العالمي, وانتهاء الحرب الباردة فان التغير في النظام الدولي صار في الاتجاه السلبي, بسبب الاختلال في ميزان القوى وتصادم التوجهات الأمريكية مع دول المنطقة العربية, والإسلامية في مواضيع, وقضايا كثيرة ([4]) ومحدودية الخيارات السياسية أمام صانعي القرار في الدول العربية ومنها اليمن, وتعاظمت كلفة التصادم مع توجهات السياسة الخارجية الأمريكية, بحيث تصبح الدول في وضع حرج عندما تتعارض توجهاتها, ومصالحها مع مصالح الولايات المتحدة  الدولة العظمى الوحيدة على قمة النظام السياسي الدولي.
 
صالح ناصر جعشان





[1] -د. عبد القادر محمد فهمي – النظام السياسي الدولي – دراسة في الأصول النظرية والخصائص المعاصرة عمان، الناشر دار وائل ط1 1997م ص61

[2]) نصر طه مصطفى مصدر سابق ص20

[3]) المصدر اون لاين ( بنية وتوجهات النظام الدولي الجديد بعد أحداث سبتمبر 2001) http://webcache.googleusercontent.com/search?q=cache:D6WUKx7OQBcJ:www.almasdaronline.com/index.php%3Fpage%3Dnews%26article-section%3D12%26news_id%3D2351+%D8%AA%D8%A3%D8%AB%D



[4]) صموئيل هنتغتون، صدام الحضارات وإعادة بناء النظام العالمي، ترجمة: دمالك بن عبيد شهيوة ود. محمود محمد خلف، ليبيا،  الدار الجماهيرية للنشر والتوزيع والإعلان، ط1 1999م  ص 73.


Neuere Ältere