ألامن الدبلوماسي في الأسلام | المكتبة الدبلوماسية

ألامن الدبلوماسي في الأسلام


يعرف رجال القانون (( الدبلوماسية )) بأنها: ( فن و علم إدارة العلاقات الدولية ) ذلك يعنيانضباطًا وتنظيما ينم عن رغبة لدى الدولة في اتصالها بالدول الأخرى وتمثيلها في علاقاتها الدولية .
أما عن تعريف الدبلوماسية أو التمثيل السياسي في الإسلام: فمن المعلوم بداهة أن الدولة الإسلامية تقر بوجود دول أخرى ، وتعترف بها ضرورة بحكم الواقع . ونتيجة لذلك تظهر علاقات ثم أحكام بينها وبين هذه الدولة و تلك ، سواء في حالة الحرب أو السلم . لذلك لا بد من قواعد وقو انين تضبط هذه العلاقات وتنظمها، بحيث لا تتصادم مع الشريعة الإسلامية .
بناء على ما تقدم تعريف الدبلوماسية في الإسلام: بأنها "مجموعة من القواعد والأحكام التي تتفق مع الشريعة الإسلامية والتي تعبر عن رغبة الدولة في تعاملها مع غيرها من الدول بما يحقق مصلحتها في جميع الأحوال والظروف ".
لهذا فلا يمانع الإسلام من إقامة علاقات سياسية بين الدولة الإس لامية وغيرها من الدول ، بحيث ينشأعن هذه العلاقات قبو ل مبدأ التمثيل الدبلوماسي وتبادل السفراء ومستند ذلك في الشريعة الإسلامية يظهر في فكرة ((تجدد عقد الأمان )) الذي يمنح لغير المسلم من مبلغ دعو ة أو رسالة أو سفير أو تاجر .......الخ.
وقد تعددت الأدلة التي تبين مشروعية التمثيل الدبلوماسي في الإسلام ، فتحدثت بعض الآيات الكريمة والأحاديث الشريفة عن ((عقد الأمان )) ومدى انطباق ذلك على وجوب تحقيق الأمن للرسل والسفراء الذين يأتون إلى الدولة الإسلامية من قبل الدول الأخرى ، ومن الأدلة على هذا المبدأ الإسلامي العظيم.
أولا- من القرآن الكريم:
قال تعالى (( وإن أحد من المشركين استجارك فأجره حتى يسمع كلام الله ثم أبلغه مأمنه ذلك بأنهم ( قوم لا يعلمون))
قال ابن كثير : ((والغرض أن من قدم من دار الحرب إلى دار الإسلام في أداء رسالة ، أو تجارة أو طلب صلح أو مهادنة ، أو حمل رسالة أو نحو ذلك من الأسباب وطلب من الإمام أو نائبه أمانًا مترددا
( في دار الإسلام وحتى يرجع إلى داره ومأمنه فله ذلك)
ولا كان هذا الممثل السياسي قد دخل أرض ا لدولة الإسلامية برضاها، يجب عليها أن توفر له الحماية التي يرضاها طيلة مدة إقامته، وحتى انتهاء مدة أمانه وعودته إلى دولته.
ثانيًا - أرسل الرسول - صلى علية وسلم - عدد ًا من الرسل والسفراء إلى الأمراء والحكام المجاورين للدولة الإسلامية آنذاك ، لأجل تبليغهم رسالة الإسلام ودعوتهم إليه ، وبعث مع كل رسول منهم كتابًا مختومًا بخاتمه – صلى الله عليه وسلم –كما استقبل رسول الله - صلى الله عليه وسلم - رس ً لا آخرين مبعوثين من قبل حكوماتهم ودولهم ،التي كانت مجاورة وقريبة من الدولة الإسلامية، فأمنهم على حياتهم و أكرمهم غاية الإكرام.
 ومن ذلك استقباله لرسولي مسيلمة الكذاب ، حيث لم يأمر بقتلهما بل عفا عنهما ومنحهما الأمان ، بعد ما قالا نشهد أن مسيلمة رسول الله وما ذلك إلا لأ نهما رسل وسفراء كانا قد بعثا من طرف آخر،والسفراء لا يقتلون عادة وشرعًا .
ثالثًا – ومن الأدلة الع قلية الدالة على مشروعية التمثيل الدبلوماسي في الإسلام،أن فقهاء الشريعة الإسلامية قد أجازوا دخول المبعوث السياسي إلى أرض الدولة الإسلامية ، وأن هذه الإجازة ليست متوقفة على إبرام عقد الأمان ، بل تساهلوا في ذلك، لأجل استمرار التمثيل الدبلوماسي ونماء العلاقات الطيبة الناتجة عن ذلك ، لما يترتب عليه من تحقيق المصالح بين الدولة الإسلامية وغيرها من الدول .
فمجرد وجود علامة دالة أو وثيقة تثبت ذلك ، فهي بمنزلة عقد الأمان الذي تمنحه الدولةلهؤلاء وتسد مسده.
كل ذلك فيما يتعلق بالتمثيل الدبلوماسي المؤقت الذي ينتهي بمجرد انتهاء الحاجة التي أتى من أجلها الممثل الدبلوماسي ، وهذا ما كان يتناسب مع شكل الدول القائمة آنذاك ، فلم تكن الحاجة ماسة إلى التمثيل الدائم بشكله الحالي.
وبعد استقرار التمثيل الدبلوماسي الآن بشكله الحالي ، لا بد أن نعرف حكم الشريعة الإسلامية في هذا النوع من التمثيل، ألا وهو التمثيل الدائم .
حكم التمثيل الدبلوماسي الدائم في الشريعة الإسلامية:
اختلف الفقهاء في هذا النوع من التمثيل تبع ًا لاختلافهم في مدة الأمان الممنوحة للمستأمنين، وذلك على النحو الآتي:
أولا- فقد وسع بعض الفقهاء في مدة الأمان الممنوحة للمستأمن ين فأجازوها مطلقة ومقيدة بمدة طويلة وقصيرة . وهذا هو القول الأظهر عند الحنابلة، وبذلك قال المالكية  إذ عدوا منحالأمان للمستأمنين نوعًا من المعاهدة لا حد لمدة ذلك تبعا للمصلحة التي يقدرها الإمام .
الدليل على ذلك :استدلوا بالقياس ، حيث قاسوا المستأم نين على النساء و الصبيان في الإقامة الطويلة وعدم أخذ الجزية منهم .
 فكما أن النساء والصبيان يجوز لهم ذلك ، ويجوز أن يكون الدبلوماسي من بينهم ومن ثم فإنه لا يؤخذ منهم الجزية. فيقاس على ذلك الدبلوماسي من غيرهم الاعتراض على هذا الدليل:
1- اعترض الحنفية على هذا الدليل بقولهم : لا يجوز تمكين الحربي من الإقامة في دار الإسلام أكثر من سنة، لأنه بتلك المدة يكون ملتزمًا بالجزية .
دفع هذا الاعتراضقال الحنابلة مدافعين عن أدلتهم : إن الجزية لا تشمل الرسل والسفراء ، فإنهم ليسوا من مواطني الدولة الإسلامية ، ولهذا يج وز لكل سفير أن يقيم في الدولة الإسلامية حتى تنتهي مهام عمله دون
دفع الجزية.
2- كما اعترض الحنفية أيضًا بقولهم : إن الإقامة الدائمة للمستأمن في بلاد الإسلام تلحق المضرة بالمسلمين، لأنه يصير عين ًا للأعداء ومعينا لهم علينا، ومن ثم فإن المضرة ستلحق حتما بالمسلمين.
دفع هذا الاعتراض:إن في حرص الدولة الإسلامية وأخذها بالأسباب ، ووضع كل شخص في مكانه المناسب ، ما يمكن من مراقبة كل من يفد إليها من غير المسلمين ، فإن تبين لها حالات إخلال بالأمن أو ظهرت بادرة تدل على سوء نية من هذا الوافد ، ومحاولته الإ ضرار با لمسلمين فإن الدولة حينئذ تتخذ بحقه ما تراه مناسبا من الإجراءات.
ثانيًا -أما الذين قيدوا مدة أمان المستأمن بحيث لا تتجاوز السنة فهم : الحنفية والشافعية والزيدية.
 أما الشافعية فهم أكثر الفقهاء تضييقا لتلك المدة ، فاشترطو ا أن لا تزيد على أربعة
 أشهر، وفي قول لهم يجوز ما لم يبلغ السنة، فإن بلغها امتنع.
الدليل على ذلك:
1- استدل الحنفية والز يدية على قولهم : إن مدة الأمان بالنسبة للمستأمن ينبغي أن لا تزيد على سنة، بالمعقول، فقد قالوا: إن الأصل العام في الأمان هو أن الحربي لا يمكن من الإقامة بين المسلمين إلا بالاسترقاق أو بالجزية . وللضرورة يمكن من الإقامة اليسيرة ، لما يترتب على ذلك من تعامل تجاري وغيره ، ويمكن الفصل بين الإقامة الدائمة وغير الدائمة بمقدار سنة ،لأنها مدةتجب فيها الجزية.
2 – كما قالوا : إّنه يلحق بالإقامة الدائمة للمستأمنين بعض المخاطر التي قد تؤدي إلى إيقاع الضرر بالمسلمين، كالتجسس وتتبع عوراتهم ،فلا بد من إزالة الضرر بمنع الإقامة الدائمة لهم بيننا الاعتراض على أدلة هؤلاء: يمكن للحنابلة ، وهم القائلون بعدم تحديد مدة إقامة المستأمن من أن يعترضوا على أدلة الحنفية ومن معهم بقولهم : يحق للدولة الإسلامية أن تراقب كل مواطنيها إن رأت في ذلك مصلحة ، فيحق لها أن تراقب الذميين ، وهم الذين يقيمون إقامة دائمة ، فمن باب أولى مراقبتها لغ ير هؤلاء من مستأمن وغيرهم ممن يوجدون بين المسلمين، فإن رأت منهم ضررًا أبعدتهم من أرضها 
دليل الشافعية ومن معهم: استدل الشافعية لرأيهم الذي يقول : إن مدة إقامة المستأمن ينبغي أن لا تزيد على أربعة أشهر بما يأتي :
أ- قياسهم الأمان على الهدنة ، ومدة الهدنة مع الكفار لا تزيد على أربعة أشهر لقول الله تعالى:(فسيحوا في الأرض أربعة أشهر واعلموا أنكم غير معجزي الله وأن الله مخزي الكافرين).
ولما كانت مدة الهدنة ينبغي أن لا تزيد على أربعة أشهر، لاحتمال حدوث قوة بالمسلمين فكذلك مدة الأمان بالنسبة للمستأمنين قيدها هؤلاء الفقهاء بما لا يتجاوز الأربعة أشهر.
الاعتراض على هذا الدليل:
يعترض فقهاء المذهب الحنبلي على دليل الشافعية هذا بقولهم : إن قياسهم الأمان على الهدنة قياس مع الفارق ، لأن عقد الأمان مبني على المسالمة والمسامحة ، ولذلك فإّنه يتوسع في منحه لغير المسلمين حتى إنه يتصور قبوله من الأفراد، وهذا بخلاف الهدنة. 
والأصل في التمثيل الدبلوماسي هو الأعراف المتبعة من قبل الدول والشعوب بحيث تكون هذه الأعراف متفقة مع سياسة الأمة وتوجهاتها، وهذا العرف قائم منذ زمن قديم ، لذلك فالتمثيل الدبلوماسي القديم لم يكن دائما، بل كان مؤقت ًا لتعارف أهله على ذلك . 
أما الآن ، فإن الأعراف الدولية قائمة على بقاء التمثيل الدبلوماسي دائمًا، وغير مؤقت بسنة واحدة.
وفضلا عن قيام التمثيل الدبلوماسي على الأعراف المتبعة من قبل الدول ، فهو يقوم كذلك على مبادئ وقواعد مكملة ، كمبدأ المعاملة بالمثل . ويلزم هذا المبدأ الدول كافة معاملة بعثاتها الدبلوماسية بالمثل ،وعلى ذلك ينبغي للدولة الإسلامية ، أن تعامل الممثلين الدبلوماسي ين للدول الأخرى كما تعامل تلك الدول مبعوثي الدولة الإسلامية ، فإذا كانت تلك الدول تسمح لممثلي الدولة الإسلامية بالإقامة الدائمة من أجل أداء مهماتهم ، فلا يعقل أن تعاملهم - سفراء الدول الأخرى - معاملة قد تضر بهم وبدولهم ، كأن لا تسمح لهم بالإقامة فوق سنة إلا بأخذ الجزية منهم .

المصدر : الامن الدبلوماسي في الاسلام - الدكتور/ محمد إباهيم أبو جريبان.


أحدث أقدم